قبل ثورة الفضائيات، وبرامج الشعر الشعبي التي غلفت الشعر وقدمته هدية للمشاهد الذي يملك خيارات كثيرة، كان الشعراء الشعبيون يتنافسون على مجلات الشعر الشعبي، التي تناسلت في فترة وجيزة وأصبحت أكثر من الهم على القلب؛ حتى لا تستغرب إن سألت شاعرا في يوم من الأيام عن آخر نتاجه الشعري حتى يفاجئك بقوله: “ليه ما تتابعني في المطبوعة الفلانية”؟!، لتدور في بالك عدد من علامات الاستفهام، في الجانب الآخر أصبح هنالك عدد من المجلات هي الأخرى تفتخر بأن الشاعر الفلاني والشاعر العلاني هما ماركتان مسجلتان باسمها؛ لأنها هي من انتشلهما من حواري الشعر على طريقة كشافي (بيونس آيرس)، وأصقلتهما، ودربتهما على التعامل مع الفلاشات، بعدها قدمت قصيدهما على طبق لا يحتاج إلى (شوكة أو ملعقة). الجنس الناعم مع الانفتاح الفضائي الرهيب، وتسونامي النواعم الذي صار يتصدر أغلفة مجلات المجلات الفنية، دخلت الصحافة الشعبية في اللعبة، ولم يعد مجديا تسويقيا الرهان على (عكف الشوارب)، بل تكثيف تسويق القصيدة الناعمة المكتوبة بقلم خشن والصورة الجميلة، والبحث عن شعراء جدد لمرحلة مقبلة يجمعون بين كاريزما (الهياط) و(خفة الدم)، وصورة (الفوتوشوب)، وحضر الشعراء وغاب الشعر في ظروف غامضة، وتراجع الصف الأول؛ ليفسح الطريق للشعراء الجدد، الذين كانوا عند حسن مانحيهم الأضواء، وخيبوا ظن الذائقة إلى أجل غير مسمى. شعر فاضي في آخر أربع سنوات أصبحت برامج الشعر الشعبي تتكاثر في الفضاء الرحب على طريقة حبات الفشار، هذه البرامج أحيت عصبية القبيلة، وحركت مكاتب الخطوط السياحية، ومطابخ المندي والغوزي، وشركات الاتصالات، فالشعر لم يعد شعرا فحسب، بل اقتصاد وسوق رسائل! يدخل الشاعر فيصرخ بأعلى صوته مستحضرا أمجاد فرسان القبيلة، وفي نداءاته تلك رسالة ضمنية بأني عائد إليكم ببيرق يرفرق، سنغرسه في أقرب استراحة تتجمعون فيها، وليهنأ أطفال القبيلة برؤيتي والسلام علي، وفي النهاية هو مجرد عضو كان عبئا ثقيلا على المحيطين حوله، طوال مشاركته الفضائية. الرفق بالشعر كثيرة هي مؤسسات المجتمع المدني التي تقدم عددا من الخدمات على المستوى الإنساني، وقد تعوَّد شعراء الوسط على أن تكون الأسبقية لهم في (الطلعات) الغريبة، فمن يبادر إلى تأسيس أول جمعية للرفق بالشعر، ويؤسس لكرسي لتناول أبحاث الشعر والشعراء؟! الغائبون عن المشهد هم يتنفسون شعرا، ويروون بمزن قوافيهم كل ذائقة عطشى للشعر الحقيقي، إلا أنهم غائبون، وذلك الغياب ليس مبررا لهم، فهم من وضعوا أنفسهم في ثوب الشخص الطيب (اللي ما تفرق معاه)، وبلا شك أن غياب أحدهم عن قاعة الجمهور يعني حضور آخر من الفئة (إيّاها)، وهذا التهاون والكسل أفسح المجال لكل من (هب ودب) أن يتحدث باسم الشعر والشعراء، ويقيم الوسط الذي لا يزال يهتز من دون أن يجد من يربطه و(يضبط إيقاعه)! الحويماني: أحرقوا الشعراء تحدث الشاعر محمد الحويماني عن ظاهرة الطفرة في مجلات الشعر الشعبي والقنوات الفضائية وقال: “للأسف أن هذه القنوات تحرق الشاعر من كثرة عرضه على شاشتها، حتى يصبح حضوره يفقد القيمة الحقيقية للظهور كشاعر”، وأضاف: “حتى الأفلام الوثائقية إذا تكررت أكثر من الحد المطلوب وهي تقدم المعلومة نفسها تصبح تافهة ولا يعرها الناس أي اهتمام، ولكن في النهاية تبقى من إيجابيات الكثرة أنها تتيح للناس الخيارات المتعددة”.