استطاعت الأحداث الأخيرة على حدود السعودية مع اليمن، واعتداء الحوثيين المتسللين إلى حدود الوطن، أن تُبرز القيمة التاريخية لمحافظة الحرث ومدينتها التاريخية (الخوبة)، وكذلك السوق التاريخية التي تشتهر بها (الخوبة)؛ فأقل ما قيل عنها هو أنها مكان يحوي عجائب وغرائب ونوادر الدنيا من أدوات وملبوسات وأعشاب وحيوانات وطيور ومواد غذائية وزهور وعطور، ويشهد بذلك تاريخها الممتد لأكثر من 160 سنة، يرتادها الكبار والصغار من مختلف بلدان العالم؛ لاقتناء ما يتم عرضه بها. وفي الخوبة سيكون الحديث عن سوقها أو ما يسمَّى بسوق الخميس (نسبة إلى يوم انعقادها)، القابعة في أقصى الجنوب الشرقي لمنطقة جازان، بالقرب من المنطقة الحدودية مع اليمن؛ فسوق الخوبة (هكذا عرفت باسم مدينة الخوبة عاصمة محافظة الحرث إحدى محافظات منطقة جازان) تعد أبرز معالم المحافظة، بل منطقة جازان قديما وحديثا؛ فهي منطقة تبادل السلع التجارية بين سكان اليمن وأشقائهم في السعودية. وبالرغم من تطوُّر وسائل النقل واختلاف الزمن إلا أن المشاهد للعادات في هذه السوق يجد عبق الماضي وأصالته يعطيان صورة حية وجميلة للعملية التجارية التي تمارس منذ قرن ونصف القرن حتى الآن. وأفضل وسيلة نقل داخل السوق لنقل البضائع والأمتعة بلا شك هي الحمير التي يستخدمها سكان القرى في المنطقة والقادمون إلى السوق من اليمن. وما يزيد جمال التسوق داخلها هو رائحة الفل والكادي من خلال البسطات الصغيرة المتناثرة بها، وتزدحم أسبوعيا بوجوه مختلفة حينما يحين موعدها؛ فتجد كل ما تتصوره من محتويات منزلية مهمة من مواد غذائية وتجميلية وأوان معدنية وفخارية ومختلف أصناف الحبوب، إضافة إلى النوادر من حيوانات وطيور، المسموح منها والممنوع؛ فلا غرابة أن ترى الضباع والذئاب والنمور والغزلان وطيور الكناري والحباري والكروان والقطا والصقور والثعابين والعقارب.. فمن يزر السوق بشكل دائم فسيكتشف أنه سيحصل على آثار تباع بأرخص الأثمان وخامات الذهب والألماس لا تتجاوز أسعارها خمسة آلاف ريال (لا مبالغة). عبده علواني أحد سكان قرى الراحة التابعة لمحافظة الحرث، وأحد الزائرين لها، أشار إلى أن سوق الخوبة اكتسبت أهمية تاريخية عظيمة منذ عهد الآباء والأجداد، ولم تتغير هذه الصورة حتى وقتنا الجاري، وكذلك نوادر هذه السوق؛ لسبب واضح وجلي هو رواد السوق وموقع السوق القريب جدا من الحدود، وهو ما يسهِّل عملية وصول أبرز المنشّطين للحركة التسويقية، وهم من اليمن. ساعات العمل ويشير يحيى شراحيلي، أحد السكان القريبين جدا من السوق، إلى أن كثيرا من السياح والزوار أحبطوا لدى حضورهم في غير موعد إقامتها؛ الأمر الذي فوّت عليهم حضور فعالياتها الشعبية الأسبوعية. وتنشط السوق بشكل خاص قبيل رمضان والعيد، خصوصا إن صادف الخميس آخر ليلة في رمضان أو التاسع من شهر ذي الحجة؛ فهي تزدحم بآلاف الزوار، وعادة تكون ساعة انعقاد السوق بعد صلاة الفجر حتى الظهر. وعلل عبدالرحمن مجرشي الزحام الهائل في ساعات الصباح الأولى قائلا: “إن معظم العمليات التجارية تعقد في وقت مبكر، خصوصا ما يتعلق بالحيوانات النادرة والتحف والمجوهرات؛ كونها تطلب مبكرا، ويفضل بيعها في جنح الظلام؛ كي ينصرف البائعون باكرا عائدين من حيث أتوا. وكبار السن في الماضي كانوا يفضلون قضاء حوائجهم باكرا لأسباب عدة؛ حيث يأتون للبيع والشراء من أماكن بعيدة؛ فيمضون الليل كله سائرين إلى السوق، وينصرفون باكرين هربا من الشمس أو العودة إلى أعمالهم التي من أهمها الزراعة والرعي”. أما البائع علي مجرشي فقد أشار إلى أن ساحات السوق تصبح خالية مع حلول الظهر، وهي فرصة أخرى لمن أراد أن يشتري بضاعة بأقل الأثمان، خصوصا الباعة القادمين من مسافات بعيدة وبضائعهم معرّضة للتلف إن مكثت طويلا كباعة النباتات العطرية وبعض الفواكه والخضار. هواة الصيد لم يعد غريبا رؤية زوار قادمين من عُمان والإمارات وقطر والكويت، وحتى الأردن؛ فمعظم سكان هذه الدول فيهم سمات البداوة وحب الصيد؛ فتجدهم بالسوق بحثا عن الصقور بمختلف أنواعها كالباشق والشاهين وحتى كلاب الصيد ومختلف الحيوانات النادرة. وأشار سعيد الدوسري إلى أنه استطاع الحصول على صقر من فصيلة الشاهين بمبلغ لا يتجاوز 500 ريال، وذلك بالاتفاق مع أحد اليمنيين الذين يفدون إلى السوق لعقد اتفاقيات جلب الطيور النادرة بمبالغ زهيدة لأبناء الخليج. نساء بائعات من رموز السوق العملية التجارية في السوق ليست حكرا على أحد أو جنس بعينه؛ فليس بغريب رؤية النساء ممتطيات ظهور الحمير ومعهن بضائعهن لغرض بيعها بالسوق، وحتى رؤية صغار السن من فتيات وصبيان يقومون بالعملية التجارية؛ فالسوق مفتوحة للجميع للبيع والشراء، والبسطات منتشرة في أرجاء السوق الممتدة على مسافة كم2 تقريبا.