لن أطيل عليك صديقتي في تفسير انقطاعي عنك؛ فقد أحتاج إلى بضعة شهور لكي أفكك لك تلك العقد من الأحداث التي كانت خلف ابتعادي.. لا عليك يا عزيزي؛ فأنا لم أكن راغبة في التواجد هنا إلا من أجل الإبحار في سيمفونية صوتك الذي يعشقه سمعي، والأهم من ذلك أن أهمس في جوف روحك سائلة إياك: “هل غابت عنك صورتي التي طالما أنشدتها لي؛ فقد أخبرتني ذات يوم أن عيني هي موطن الربيع، وكياني بأكمله نهر تتدفق منه أسرار الجمال ليمر على حقول أراضيك فيسقي بذور الأمل، جاعلا من كوخك الصغير قصرا فاخرا تجري فيه خيولك الأصيلة وهي تتباهى بين باقي جنسها؟ لتعلم صديقتي أن دمي كادت تجف منه موارده؛ فقد سافرت عني الطبيعة جميعها؛ فلم أعد قادرا على تمييز بياض الثلج؛ فعيني تراه سوادا مع كتلة نار ملتهبة، فكنت أبتعد عنه رغم نعومة أظفاره؛ اعتقادا مني أنه بركان تساقط من فوهة ذلك الجبل الذي بات يتيما لعدم زيارتك له؛ فأنا أيقنت أكثر من سابق عهد أن النجوم التي كنا نتأملها والقمر بكامل أمواجه طوال الشهر يكادون يصدون عني؛ فهم لا يقبلونني ضيفا عند منازلهم، فكأنهم يصوتون لي بأشد من جلجلة الرعد، مخاطبين شراييني “لن نسمح لك بالإبحار في مدانا؛ فنحن اليوم سنأخذ طريقة الجزر هويتنا، فأنت في أول زيارة لنا صحبت معك تلك الفتاة العذبة، فنحن في تلك المرحلة لم نغلق أبوابنا عنكما، لكن اليوم لا رجعة لك ولا قبول لدينا، إلا بشرط أن تصحب من أخبرتنا ذات يوم أنها حبيبتك، فإن لم ترض بهذا الشرط فلا عودة لنا ولا رجوع.. كفاك صديقي عن هذا الحديث الندي؛ فدقات نبضي قد لا يمتلك قلبي تحملها؛ فهي أسرع من طاقات جسدي.. لا أخفي عليك صديقتي أن الأحداث التي عشتها طوال انقطاعي قد رمتني في جسد آخر؛ فالجسد الذي تشاهدينه الآن قد لا يكون ذلك الجسد الذي عاش في تلك الليالي المزهرة بقربك؛ فهذه ليست مبالغة أحاول من خلالها استدراج حنينك إليّ، بل هذه حقيقة استشعرتها ليلةً بليلة، إلى أن آمنت بها جوارحي؛ فلا حلول لدى هذا الجسد سوى أن تقطري عليه من نظراتك؛ فهو أصبح كسمكة لا يمكنها العيش إلا في بحرها؛ فأنت الفجر الذي يغسل عني عتمة الضياع. أهذا العبق الذي تذوقته روحي يجعلني أقول.. ماذا تقولين؟ أحقا لا تعلم ما الذي سأقوله لك؟ هناك كلمة واحدة أتوقع أنك تريدين التأكد منها.. قل لي إذن تلك الكلمة؟ أحبك.. نعم روحي ما زالت لا ترى الحب إلا في عينيك، ولا أعتقد أن هناك امرأة فوق سطح اليابسة قد تسرق من تحت أرضي جذور حبي التي تمتد فروعها من القطب الشمالي وصولا إلى الجنوبي.. هذا ما عهدته عنك حبيبي، ولم أكن أشكك يوما ما في إخلاصك لحبك تجاهي، وأنا الآن في غاية الفرح، واسمح لي أن أدعوك يا حبيب هذه الأمسية ورفيق الأمسيات السابقة إلى أن نرتشف ماء الورد من شاطئ أشجاننا التي عيني وعينك تتنفسانه كل لحظة، ودعني أيضا أفصح لك كما أنت فتحت لي أرشيف مشاعرك طوال انقطاعنا، فأنا كذلك أود أخبارك عن بعض ما واجهته.. إذن قبيل ذهابنا، قولي لي كلمة الميثاق التي بيننا.. أحبك صديق أيامي.. وأيضا أحبك رفيقة أنفاسي..