من حق المرء أن يناقش قضايا وهموم مجتمعه، وأن يطرح الحلول المناسبة لها، فلا يخلو مجتمع في كل أصقاع المعمورة من قضايا وهموم خاصة به يسعى أفراده لحلها ما أمكنهم. وجدية مناقشة تلك القضايا ظاهرة صحية تبرهن على أن المجتمع في حالة حراك نحو تحقيق مستقبل أفضل. يستوقفني البعض منا عند مناقشته لقضايا وهموم مجتمعنا، ورغبته الملحة في حلها وتذمره من البطء والبيروقراطية والمحسوبية، ويضرب الأمثلة ببعض المجتمعات الآسيوية والأوروبية والأمريكية، وكيف استطاعت حل بعض قضاياها وتجاوز ََََأزماتهاِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِ، وعندما تنظر عن كثب إلى منشأة أو شركة أو مؤسسة يديرها هؤلاء تجد أنهم يمارسون أسوأ أنواع البيروقراطية والمحسوبية والشللية، فهذه الازدواجية الفاضحة سلوك اجتماعي تراه صباحا ومساء في العديد من شركاتنا ومؤسساتنا في القطاعين العام والخاص، وكأن هؤلاء يريدون إقناعنا بأن هناك فصلا بين العام والخاص، وبين ما يمارسونه في أعمالهم وبين تنظيرهم لقضايا المجتمع. هذه الازدواجية في الذهنية لدينا لا نستطيع تفسيرها، وهي ليست حكرا على صناع القرار في المؤسسات والشركات، بل إن ذلك ينسحب على معظم الهرم الإداري. الأدهى والأمر أن نجد ذات الازدواجية لدى النخبة الفكرية بأطيافها المتعددة، فالبعض من هذه النخبة يعتقد أن له الحق بالاختلاف مع الآخرين دون أن يكون للآخرين حق الاختلاف معه، ساعيا إلى إقصاء غيره ما استطاع، يظن أنه وحده من يملك الحقيقة وكأنه الوصي على المجتمع، مبعدا النخبة عن دورها الحقيقي في تنوير المجتمعات، وقبول الاختلاف، ومقارعة الحجة بالحجة. إذا أردنا أن نصل بمجتمعنا إلى المستقبل المنشود، فعلينا أن ندرك أن هذه الازدواجية الضاربة في أعماق سلوكنا تعيق استمرارية الحراك الاجتماعي، فمتى نستطيع استئصالها؟