أتت وسائل الاتصال الحديثة على ما تبقى من عادات إنسانية جميلة في العيد، وأصبحت سببا رئيسا في إغلاق أبواب المنازل صباح العيد، وقطعت كل الطرق أمام التواصل الحميم بين الناس، الذي يشعر بدفء العلاقات بينهم، وينهي خصوماتهم. فضفضة مُسن على ملامح العم عوض (70 سنة)، القادم من الجنوب، ارتسمت ملامح الحزن على تقاسيم وجهه.. فرك لحيته تحسرا على عيد زمان، وبلهجته البسيطة قال: “حسبي الله على الجوالات!”. وأخرج زفرة ليبدأ بعدها في الفضفضة: “العيد ليس كما أعيشه اليوم.. هنا لا يوجد عيد.. أي عيدٍ ينام فيه الناس بعد صلاة العيد.. يوصدون أبواب منازلهم.. الكبار يتعللون بأن العيد للأطفال، وهذا ما لم أسمع به إلا في المدينة”. وأضاف: “في قريتي كنا نجتمع ليلة العيد، ونتبادل التهاني بعد الإعلان عنه في الإذاعة، وينتظر كل رجلٍ منا عودة أبنائه الذين يعملون في المدن وفي أيديهم كسوة العيد. وبعد تناول طعام العشاء نذهب للنوم”. ويزيد: “يجتمع أبناء العمومة قبل صلاة الفجر لتناول التمر والقهوة، ثم نذهب إلى المصلى وبعده تبدأ رحلة التهاني بالعيد، والبداية بأقرب بيت للمصلى مرورا إلى آخر بيت في القرية، فتذوب الخصومات، وتزول المشكلات. وفي كل بيت نزوره نتناول بعضا من وجبة يقدمها أهله.. العصيد أو الخبزة لا يهم.. فالكل يقدم ما عنده من دون تكلف؛ من أجل المشاركة في هذا التمازج الوجداني، وهو ما نفتقده اليوم”. مشاعر جامدة واستطرد العم عوض قائلا: “الآن لا أحد يسأل عن أحد.. فقبل العيد بليلة وجدت أحد أبنائي ممسكا بهاتفه الجوال بينما يصدر طنينا مستمرا؛ فاستفسرت عن السبب، فقال لي: “إنها رسائل معايدة تصله من الأقارب والأصدقاء!”.. هل وصل بنا الحال إلى أن يترجم هذا الجهاز الأصم مشاعرنا.. لا عجب إذن من أن تصبح مشاعرنا جامدة مثله.. وستظل هكذا.. فالمصافحة الحميمة اختفت، والعناق الدافئ بين الأقارب لم يعد له وجود منذ أن غزتنا هذه الأجهزة واستعمرتنا”. ويضيف: “بعد صلاة العيد توقعت أن أقربائي سيحضرون إلى المنزل للمعايدة، لكني فوجئت بأبنائي ينسحبون واحدا تلو الآخر إلى غرفهم؛ ليغطُّوا في نوم عميق.. بل إن أحدهم طلب ألا يغلق جهاز تكييف غرفته حتى يعود من الصلاة مباشرة للنوم”.