شدد الدكتور طارق السويدان، المدير العام لقناة الرسالة الفضائية، على ضرورة استغلال ليالي رمضان فيما يرضي الله عز وجل. وحذر من متابعة المسلسلات الرمضانية “لأنها تشغل الشاب عن أداء العبادات وجمع الحسنات”. وقال السويدان: “إذا أراد الشاب متابعة أحد المسلسلات فليتذكر أنه سيعاد بعد انتهاء رمضان، فلا يضيع شهر رمضان ويجرحه بمسلسل سيعاد بعد رمضان”. وعلى هامش مؤتمر قناة الرسالة الصحافي، التقت “شمس” السويدان الذي حدثنا عن ذكرياته مع شهر رمضان، وأشاد بالتجربة الرمضانية الأمريكية التي قضى فيها أجمل أيام حياته فترة دراسته.. وفيما يلي نص الحوار: شهر التغيير * بداية نسألك: ماذا يعني لك شهر رمضان؟ كل الناس تتغير أوقاتها وحياتها وحتى أطعمتها تتغير في رمضان، لكن الأهم من كل ذلك أن رمضان فرصة للتغيير نحو الإقبال على الله عز وجل. فرمضان هو شهر التغيير، فهو التغيير الإيماني والروحاني لكل من قصر أو أهمل أو غير ذلك، أيضا تغيير في العادات لمن عنده عادات سيئة، وتغيير في جانب الإرادة وتقوية العزيمة لمن كان يعاني من إرادة ضعيفة. ومع أشغالي الكثيرة وسفرياتي أحيانا، فإن الواحد يقصِّر في صلته بالله عز وجل وبأرحامه وأقاربه، لذلك أنا أحاول أن أفرغ نفسي في رمضان، فأقلل من سفرياتي ومشاغلي إلى أقل حد ممكن وأتفرغ للصلة بالله تعالى وتواصلي مع الأهل. * وهل بالفعل يمتد التغيير إلى ما بعد رمضان؟ أنا عندي مبدأ في هذا الخصوص، فالمفروض أن يكون الإنسان بعد رمضان أفضل حالا من قبل رمضان، لأن بعض الناس يريدون أن يكون بعد رمضان أفضل من شهر رمضان وهذا صعب، لأن الجو الرمضاني يختلف كثيرا عن بقية الشهور، لكن كل المطلوب أن تستغل هذا الشهر حتى تكون أفضل من حالتك التي كنت عليها قبل رمضان، فلو وصل الإنسان لهذه النقلة فسيكون قد حقق نجاحا كبيرا. العبادة استثناء * تطالبون الشباب بعدم تضييع اللحظات في اللهو أو اللعب، في حين أن الشباب يعترضون على هذا الضغط مع وجود متسع من الوقت، يستغلونه في ممارسة أنشطة رياضية وغيرها؟ نحن لم نطالب الشباب بأن يكونوا على مدار 24 ساعة في عبادة، لكن أيضا نطالبهم ألا يكون رمضان كله ترفيها.. فللأسف أصبحت حياة أغلب الشباب ما بين النوم والترفيه، وأصبحت العبادة هي الاستثناء. الأصل في رمضان أنه شهر للصلة بالله سبحانه وتعالى والعودة للقرآن وإقامة الصلوات، على الأقل لو يستطيع الإنسان أن يعوض شيئا من النقص والتقصير في حق الله عز وجل. -* ولكن أحيانا تتشددون في ذلك؟ لم نطالبهم بالتشدد، إنما فكرتنا أن تكون العبادة رمضان هي الأصل، ولا مانع من الترفيه المنضبط. قيمة المسجد * ماذا يعني المسجد بالنسبة لطارق السويدان؟ في بلادنا لا نشعر بقيمة المسجد لأن البدائل كثيرة جدا، لكن عندما كنا في أمريكا كان المسجد هو مكان جلوسنا ومكان صلاتنا ومكان تواصلنا الاجتماعي، فلم نكن نجتمع في المسجد فقط وقت الإفطار، وإنما كان يومنا كله بالمسجد. * ألم يكن هناك وقت مخصص لمتابعة التلفاز والمسلسلات؟ لم ننشغل بالمسلسلات ولا بغيرها، كما ينشغل الناس هذه الأيام. * وماذا تقترح على الشباب من برامج في رمضان؟ الإنسان عندما يضع خطة ينبغي ألا تكون الخطة عامة، بمعنى أن يقول: أريد أن أتطور وأن أتحسن وأن أقوي صلتي بالله عز وجل، ففي الغالب لن يتغير أي شيء.. فأنا أقترح على كل شاب أن يضع له أهدافا محددة لرمضان، بمعنى كم سيقرأ وكم سيحفظ من القرآن وكم سيصلي، ومن سيتواصل معهم من أرحامه وهكذا.. وعليه أن يكتبها كتابة وأن تكون قابلة للقياس، وسيرى كل من يقوم بهذه الطريقة عجبا في تحقيق أهدافه التي خططها. * ولكن الانشغالات غالبا تكثر في شهر رمضان، فكيف يستطيع الشاب أن ينظم وقته؟ طبيعة شهر رمضان أن تكثر فيه الأعمال، ولكن بالتخطيط الدقيق وتحديد الأهداف ثم بالإرادة القوية سيحقق كل شاب أهدافه. رمضان بأمريكا * لو عدنا قليلا إلى الوراء، ما الحنين الذي يشدك لرمضان؟ أنا قضيت معظم شبابي في رمضان بأمريكا، وأجواء رمضان في أمريكا كان لها طعم يختلف عنه في بلادنا وبين أهلينا. * من أي ناحية؟ في بلادنا ولله الحمد المساجد منتشرة في كل مكان، والشباب يجتمعون قبل صلاة التراويح ويشجع بعضهم بعضا، ويختارون أفضل القراء والمساجد حتى يؤدوا صلاة التراويح والقيام فيها، لكن في أمريكا ليس عندنا إلا مسجد واحد وقارئ واحد، ومع ذلك فهناك فرق. * كيف كنتم تقضون رمضان وسط هذه الأجواء؟ المسجد بالنسبة لنا لم يكن فقط لصلاة التراويح وغيرها، كنا نقضي كل اليوم في رمضان فهو مكان للعلم و للعبادة ولتعميق الصلات الاجتماعية بين الشباب، وكان إفطارنا في رمضان يوميا في المسجد، وكانت تجتمع جميع الجاليات الإسلامية في المسجد، فيأتينا الطعام الباكستاني والهندي والسوري واليمني والمغربي والكويتي والسعودي. وكنا نعتبر هذا الإفطار أكبر لقاء اجتماعي لمسلمي العالم على وجبة الإفطار. * وما أبرز البرامج التي كنتم تقومون بها؟ كنا نختم القرآن الكريم في صلاة التراويح، وتبدأ الدروس الدينية بشكل يومي بعد صلاة التراويح، وكان جلوسنا في المسجد بمعدل 12 ساعة في اليوم، هذه الفكرة ليس لها مثيل في وطننا العربي. *دكتور: أنت الآن تعيش بين أهلك وأحبابك في وطنك، ألا يراودك الحنين للعودة إلى تلك الأيام وأجوائها؟ عندي مبدأ أردده دائما وهو أن المستقبل دائما أفضل من الماضي، فالحنين والشوق هو مجرد ذكريات، فأنا ولله الحمد أعرف كيف أستغل وقتي في رمضان حتى لو كان الوضع مختلفا، فرمضان بالنسبة لي هو شهر إنتاج وعطاء وليس شهر راحة وكسل. رمضان الصبا والشباب * لو تحكي لنا عن أشهر الممارسات التي كنت تمارسها في رمضان أيام شبابك؟ أنا قضيت أغلب شبابي في رمضان بأمريكا، وكان عمري عندما ذهبت إليها للمرة الأولى 17 سنة، وقضيت فيها 17 سنة أخرى، فلم يكن رمضان تلك الأيام عندنا فيه عطلة، ولا حتى في العيد عطلة، بل كانت الامتحانات أحيانا تعقد في العيد، ومع ذلك كنا نستطيع أن نوازن، فنجمع بين الدراسة وبين رمضان وعبادته والعلاقات الاجتماعية. * ألم تكونوا تشعرون خلال كل هذا بالإرهاق والتعب؟ صحيح كنا نشعر بالتعب وبالجهد الكبير، لكن كنا نستمتع بذلك كثيرا. وهذا الأمر علمني شيئا مهما، فرمضان بالنسبة لي هو شهر جد ونشاط وعطاء، ولذلك أجد أن نومي قليل في رمضان وإنتاجي كثير ولله الحمد. أنا والقرآن * كم مرة تختم القرآن في رمضان؟ تختلف من رمضان لرمضان، وغالبا أصل إلى أربع ختمات ولله الحمد. * وكيف يقضي طارق السويدان يومه الرمضاني؟ ليس عندي يوم يشبه الآخر، لا في رمضان ولا في غيره، حياتي كلها تجديد وإبداع وفي كل يوم شأن وهم جديد لا يتشابه مع غيره. * موقف لا تنساه في رمضان؟ كثيرة هي المواقف التي تذكرني برمضان، لكن من أهم الأشياء التي لا أنساها في رمضان في ليلة 27 من رمضان مات جدي، وفي 27 من رمضان ماتت بنت خالتي، وفي 27 من رمضان أخي؛ ما جعل عندي علاقة خاصة مع ليلة القدر. أسأل الله أن يرحمهم جميعا. * وبماذا تنصح الشباب؟ أشدد على الشباب خصوصا، بأن يأخذوا هذا الشهر بجد، ويتذكروا أن هذه مجرد أيام قلائل وتزول، ويتحسر عليها الإنسان بعد فواتها، فأنا أتمنى ألا ينشغلوا في رمضان إلا بالأمور التي تنفعهم في دينهم ودنياهم. وأنصحهم أيضا ألا يتابعوا المسلسلات التي تعرض في هذا الشهر الكريم، وإذا كان هناك مسلسل لا بد من متابعته، فليتذكروا أنه سيعاد بعد انتهاء رمضان، فلا يضيعون شهر رمضان ويجرحونه بمسلسل سيعاد بعد رمضان. فالله سبحانه وتعالى يعتق من عباده الكثير في هذا الشهر الفضيل، فهو فرصة حري بالشاب ألا يضيعها، فإرادة مع تخطيط مع حسن توزيع للوقت سينال ما يتمناه.