حسنا فعلت وزارة الثقافة والإعلام بإغلاقها مكتبين لقناة (إل بي سي) في السعودية. حتى حمل تصريح وكيل وزارة الإعلام السعودي عبدالله الجاسر انتقادا حادا في لهجته هو الأول من نوعه لما تطرحه وتعرضه بعض القنوات التي يشارك في ملكيتها رجال أعمال سعوديون. والواقع أن صوت الوزارة كان صدى لصوت الشارع السعودي وهذا هو المفترض. وقد قلت: “سعوديون”، ولم أقل: “السعوديون”؛ لأن (ال) التعريف تفيد التعميم، وهذا خطأ بطبيعة الحال، وكذلك الأمر بالنسبة إلى القنوات. ومعروف خطورة وتأثير هذه الوسيلة الإعلامية إيجابا أو سلبا، ويا ليت تلك القنوات قلدت في الأمور الإيجابية والحضارية بدل التقليد الممجوج الذي يخاطب الغرائز بدل العقول، فأصبحت الوقاحة جرأة، والمجاهرة بالسقوط مكاشفة وشجاعة. أين المعلومة والفكرة التي يمكن عرضها في أقل من دقيقة، تثري عقول المشاهدين وتضيف إلى رصيدهم الشخصي، أو رسالة أخلاقية تنبه إلى مكانة الأمة حين تحسن أخلاقها؟! والجمهور مهما انساق قطاع منه وراء الإثارة والبرامج المعلبة فإنه لا بد أن يعود فيبحث عن الجاد والرصين والمثري من البرامج والقنوات بشكل عام، حتى لو ضلت فئة أو قطاع من الجمهور تبحث عما يخاطب الغرائز فلا يوجد شعب كامل أو ملائكي والعبرة بالأغلبية. أما نظرية كشف ما يجري من وقائع في المجتمع ومناقشتها بصراحة وشفافية وأن إنكارها نقص ونفاق، فهناك فارق كما يعلم كل لبيب بين المناقشة العلمية وفي حدود الأدب، وعدم عرض أدق التفاصيل لأنها لا تفيد، بل العكس؛ لأنه ليس كل مشاهد واعيا وناضجا، ثم إن عرض الأسرار وما ستره الله تعالى على المرء أمام الناس تهوين للفحش وتقليد للأمم الغربية التي لها ثقافتها وحضارتها التي تسوّغ لها ذلك بدواعي الحرية، ولكن الحرية اللا مسؤولة التي جلبت لهم التفسخ الاجتماعي وانهدام مؤسسة الأسرة التي تعتبر نواة الشعوب. فما بال بعض أرباب الإعلام في عالمنا العربي يقلدهم بكل بلاهة وقبح. ثم إن هناك عيادات إخصائيين اجتماعيين ونفسيين هي خير ملجأ لكل من يعاني ضائقة أو عُقَدا نفسية متراكمة، تماما كما يعاني مريض الباطنية عللا يطلب لها عون الطبيب؛ فلا عيب فيمن يذهب إلى عيادة نفسية أو اجتماعية، ولكن العيب في جهل المكابرة. وهناك يجد كل باحث عن العون إنسانا متخصصا يعمل من منطلق علمي وإنساني، وليس (كومبارس) أمسك بالمايكروفون وراح يستنطق ضعاف النفوس ليحكوا عُقَدهم أمام الملأ. شيء من التعقل يا أرباب القنوات، شيء من الرصانة، لا نقول العبوس والتجهم، ولكن احترام تفكير وذوق الجمهور يكسبكم احترامهم والمتابعة التي تنشدونها لتدرّ إعلاناتكم أرباحا عليكم، أليس هذا ما تريدون؟!