إجبار الفتيات على الزواج ممن لا يرغبن في الاقتران به أصبح قضية من القضايا الاجتماعية الشائكة التي تستعصي حتى الآن على الحل الجذري. فالإكراه على الزواج بات سيفا مسلَّطا على كثير من الفتيات، رغم تمدد مساحة الوعي في المجتمع، وانتشار وسائل الإعلام والتعليم التي تقوم بجوهر عملية نشر الوعي والثقافة، ومحاربة العادات الجاهلية في المجتمع، وانتشار منظمات المجتمع المدني وهيئات حقوق الإنسان. ويُعتبر الإجبار على الزواج أحد أشكال العنف الممارس ضد المرأة في المجتمع، من خلال سلبها حقها في الاختيار والقبول بحرية لشريك الحياة. ويكون في غالب الأمر أشد وقعا على النفس من العنف الجسدي؛ ذلك أن أثره يقع سلبيا وبشكل مباشر على السلامة النفسية للفتاة، التي تتعرض شخصيتها للتذويب، والحط من قدرها، وإخضاعها للسيطرة من قبل أوليائها. هذا الأمر ينعكس لاحقا على أسرتهما واستقرارها واستقرار أفرادها. وعلى الرغم من التكتم الذي يصاحب مثل هذه المشكلات الأسرية إلا أنه بدا واضحا وجود ارتفاع في نسب القضايا المتعلقة بالمرأة، من حجر وعضل وإجبار على الزواج، بين تلك التي نظرتها المحاكم الشرعية خلال السنوات الأخيرة. وقد بلغ عدد تلك القضايا 213 دعوى رفعتها فتيات ضد أولياء أمورهن في أربع مدن سعودية فقط، وذلك في إحصائية صدرت في 2007، ونشرتها وسائل الإعلام في حينه. ويكشف الارتفاع في عدد القضايا استمرار المشكلة، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى ارتفاع نسبة وعي الضحايا وإقدامهن على المطالبة بحقوقهن، وهو ما يعد مؤشرا إيجابيا، يمكن أن يساهم بصورة فعّالة في تحجيم المشكلة والتخلص منها. دور الإعلام يقول فهد العتيبي، موظف حكومي، إن هذه القضية تعكس حجم التسلُّط الممارس على المرأة، رغم أن الهدف المعلن هو مصلحتها. ويضيف: “وحتى نتخلص من هذه الممارسات فإننا بحاجة ماسة إلى زيادة جرعة التوعية عبر وسائل الإعلام، والجهات ذات العلاقة من خلال إبراز سلبيات هذا الزواج والآثار الناتجة منه”. الولد وبنت عمه وتوضح أمل، طالبة جامعية، أنها عايشت قصصا مريرة لفتيات تم تزويجهن بالإكراه “ويعشن الآن في دوامة من المشكلات مع أزواجهن”. وتضيف: “هذا يوضح أن بداية تأسيس عقد الشراكة كان خاطئا”. وتشير إلى أن “الفتيات الآن أصبحن أكثر وعيا وإدراكا”. وتقول: “من المفترض أن يكون هذا هو حال الآباء أيضا”. وتوضح أمل أنه “لا مكان اليوم لمقولة (البنت لابن عمها)”. وتضيف: “لا يعقل أن لا يكون للطرفين، الولد والبنت، أي رأي في هذه العلاقة”. وتؤكد: “هذا شيء لا يقبله عقل ولا دين”. وتذكر أمل أن “والدها رجل متفهم، ولم يحاول أن يمارس عليها أي نوع من الضغوط في هذا الجانب”. وتوضح: “لقد رفضت كثيرا ممن تقدموا للزواج مني، واحترم والدي اختياراتي”. عادات جاهلية أما فهد علي، رجل أعمال، فيصف إجبار الفتاة على الزواج بالعادات الجاهلية، ويوضح: “لا يليق بنا أن نمارسها في وقت انتشر فيه التعليم، وأصبح الناس أكثر وعيا وتفتحا”. ويشير إلى أن “بعض أولياء الأمور يلجؤون إلى تزويج فتياتهم قسرا لاعتبارات اجتماعية، ربما لتخرج من ذمتهم، وربما لكي تفرح الأم بهذا الزواج، دون إدراك لخطورة الأمر”. ويطالب علي باحترام رأي الفتاة في أمر كهذا، والوقوف معها ومناصرتها، من قبل كل الجهات المختصة ومنها جمعية حقوق الإنسان. رجال ضحايا ويحكي سالم مأساة زواجه دون أخذ رأيه، قائلا: “تزوجت منذ فترة طويلة من ابنة عمي التي اختارتها لي والدتي منذ صغري”. ويضيف: “لقد انتشر في محيط أسرتينا خبر هذا الاختيار”. ويقول: “عندما كبرت ووعيت أدركت أنني وقعت ضحية قرار ليس لي يد فيه”. ويوضح سالم: “تغلبت على عواطفي حتى لا أرد كلام والدتي، وأتسبب في حرج لابنة عمي وأسرتها، فأتممت زواجي بها وأنا مكره”. ويضيف: “الآن وبعد أن أنجبت منها عددا من الأطفال تراودني أفكار جدية بأن أمارس حق الاختيار، وأتزوج إنسانة أخرى بقناعاتي الشخصية”.