الشاعر عبدالله الكايد لا يكتب لامرأة معينة في الغالب، بل يكتب لأنثى تعيش فيه، تسكن بين ضلوعه، وتقاسمه خياله، لهذا يتعامل معها بتبتل وطهر، يرى من خلالها أمه، ويتنفس عن طريقها عبق الطبيعة. هذه المرأة المسافرة في نصوصه لا أظن أنه سيراها في يوم من الأيام؛ لأنها تعيش في عالم المُثُل، لا عالم المحسوسات؛ ولهذا تجيء ممزوجة بكل شيء جميل ونقي في هذا العالم، بعيدا عن شرور الناس وخياناتهم. لو قلت بالنجم اهتدى من تاه وأعياه السهاد البارحة والريح ما تبّت عن اطرافي يدا لا يبدأ الشاعر في مطلع هذه القصيدة بتحدث عما يريده بوضوح، حيث ترك المجال مفتوحا للتخيل، وبإمكان القارئ أن يتتبع المفردات التي توحي بهذا التهويم وهذا البعد الفلسفي الروحي، ليأخذ مداه في هذا التصور من خلال المفردات الدالة على العمق “النجم – تاه – أعياه السهاد – البارحة – والريح”، وكأنه في هذه البداية كان يتلمس الدخول والنفوذ، وذلك أن هذه العبارات تحرض الذهن على الاستيقاظ للشروع بالتأمل. من يهتدي يا سيّدة للضوّ من تحت الرماد؟ من يستمع صوتي؟ ومن يحبس عن الصوت الصدى؟! هنا يبدأ الشاعر يتلمس أول خطوات الطريق إلى النص وأول بدايات الحديث معه، وهو الكتابة من أجل الشعر والبحث عن القصيدة، حيث أورد مفردات توحي بهذا الفهم للشعر “للضو من تحت الرماد – من يستمع صوتي – ومن يحبس عن الصوت الصدى” وفي هذا الكلام استحضار جميل لبيت المتنبي. ودع كل صوت غير صوتي فإنني أنا الطائر الشادي والآخر الصدى لكن بأسلوب جديد يتوافق مع نفسية الشاعر لا الطامعة بالمال بقدر ما هي تلك التي ترنو إلى الشعر والحديث معه من داخله واتخاذه وسيلة وغاية في آن، لا وسيلة لبلوغ غاية كما هي الحال مع المتنبي. يا آهتي جيتي تعريني من ثياب الحداد! أنا الحداد اللي على وجهي من غيابك بدا الجميل هنا، أن الشاعر كان يشير إلى ما يريد الحديث عنه بإيماءات خافتة وبسيطة من حيث حضور الكلمة، لكنه قوي من حيث الحضور المعنوي “نسبة للمعنى” وذلك من خلال بعض المفردات “يا آهتي – جيتي – تعريني”، وكأن القصيدة لديه، وهي كذلك في الغالب، ما هي إلا آهة تخرج من الأعماق، وتأتيه لا يأتيها، أي أنها تكتبه لا يسعى لكتابتها، وحينما تجيء إليه تتعرى له كالفتاة الفاتنة التي تغريه بجمالها من أجل استثارته؛ لذا يصور لنا الشاعر نفسه بالشيء الميت أو الفاني”، أنا الحداد” الذي تحييه هذه القصيدة وتبث فيه روح الحياة. جيتي مطر يستغفر الرحمن عن ذنْب العباد وأنت ذنوب عباد ما مرّوا على درب الهدى تتشكل القصيدة مع الشاعر كما تتشكل الحياة لديه، وتمر معه في أطوار متعددة؛ ففي البيت الثالث كانت مزيجا من الداخل “آهتي” ومن الخارج “جيتي – تعريتي”، وها هو المشهد يتكرر معه “مطر – ذنوب”، لكن في السابق كان التعري لخلق حالة من الطرب لطرد الآهات، غير أنه هنا جاء التوظيف مع المطر، ليغسل الذنوب وكان النص الشعري لديه إعادة هدم وبعثا وكبتا وتحريضا وتحديا صارخا واستفزازيا. وهذا ما سيكون معنا في الأبيات التالية: جيتي من أقصى حنجرة فلاح في موسم حصاد أعياد شكر وذكر وخشوع وتناهيد وحدا كانت القصيدة لديه تحريضا كما في البيت الثالث واستفزازا وتحديا كما في البيت الرابع، غير أن الصورة تكتمل مع هذا البيت من كونها بعثا لحياة جديدة، نابعة من الأرض والإنسان، الأرض من خلال “موسم حصاد” والإنسان من خلال “فلاح” وكان الشاعر هو ذلك الفلاح الذي يحرث الأرض “الشعر” ليخرج لنا هذا المزيج من المشاعر المتداخلة “أعياد شكر وذكر وخشوع وتناهيد وحدا”. إن هذا الخليط من المشاعر هو نتاج طبيعي للآهات وتعرٍ من كل رتابة وهطول للمطر، ومحاولة التغلب على العيوب للخروج لنا بثوب جديد “ذنوب عباد” وكأن الشاعر استحضر كل تلك المكونات للوصول إلى هذه الحالة من الشعر. فدا يغني ما غدا للطير؟ في يوم المعاد إن عاد؟ ما له غير أغنّي له، على عيني فد