يسمى حي الأمير محمد بن عبدالعزيز القديم بالحوية بالحي المشلول في النهار، والذي لا تعود إليه صحته إلا في الليل، هذا كما يحلو للبعض أن يسميه.. فدخول الحي أو المرور من خلاله، ليس كالخروج منه، وبخاصة في أوقات الدراسة.. فالحي يضم على شارعه الوحيد، جامعة أيضا وحيدة هي جامعة الطائف، ومجمّعا دراسيا للبنين يضم مدرستين، ثانوية ومتوسطة، بالاضافة إلى مركز صحي الحوية وشرطتها، وهلالها الأحمر، والهيئة.. وبطبيعة الحال؛ فجميع هذه المنشآت حكومية.. لكن الغريب في الأمر أن جميع هذه المصالح والخدمات الحكومية بدون مواقف سيارات!. من هنا تبدأ تبدأ معاناة الحي من انعدام المواقف التي يوقف بها طلبة الجامعة سياراتهم. ولا شك أن هذا يتسبب في تأخير نمو الحي وانتعاشه كالأحياء الأخرى، رغم الفرص التي توفرها مثل هذه المصالح والخدمات الحكومية.. فإدارة الجامعة أو وزارة التعليم العالي، أو الجهة المعنية بالمنشآت في هاتين الجهتين، لم تهتم بإنشاء مواقف داخل سور الجامعة لخدمة مرتاديها من طلبة وأساتذة وغيرهم.. واللافت أيضا أن الطلبة تجاوز عددهم في العام الماضي 19 ألف طالب، وقد يزداد العدد مع افتتاح كليات جديدة للسنة الدراسية القادمة أيضا. دوران على سور ويتساءل الطالب نادر الوذيناني: “كيف تكون الجامعة بدون مواقف؟”. ويوضح: “هناك داخل مبنى الجامعة مساحات شاسعة، يمنع الطالب من الدخول إليها، والوقوف الآمن بها”. ويقول: “وحتى الاستثمار في بنائها كمواقف على شكل طوابق، ليوقف الطالب سيارته فيها برسوم مخفضة لم يتم”. ويقول الوذيناني: “أين يجد الطالب مكانا آمنا لمركبته، حتى يمكنه الجلوس مطمئنا خلال فترة المحاضرات الطويلة”. ويضيف: “الوقت بين المحاضرات غالبا ما يكون بالساعة والساعتين، وهنا يمكن للطالب الجلوس في سيارته واستذكار دروسه، ووضع أشياءه الخاصة بداخلها، ويكون مطمئنا أثناء الشرح، وغير شارد الذهن، لما قد يحدث في سيارته خارج السور، إما بالسرقة وإما بالاصطدام”. تضييق وتعطيل ويشير الوذيناني إلى أن “الطالب لا يستلم سوى مكافأة بسيطة لا تتجاوز 800 ريال للمتفوّق خاصة، تذهب للأكل والشرب وشراء الكتب وغيرها”. ويضيف أنه “لا يستطيع إضافة أعباء أخرى للراتب”. ويوضح: “قصر الشارع الفاصل بين الجامعة والحي والذي لا يتجاوز طوله 500 متر، يجعلنا نضطر إلى الوقوف على قارعته، وإغلاق نقاط الدوران والدخول والخروج فيه، والوقوف على أرصفته الجانبية والداخلية”. ويؤكد الوذيناني أن هذا “يضيق الخناق على سكان الحي، الذين لا تتحرك لهم سيارة من الصباح الدراسي إلى العصر”. ويضيف أن هذا كذلك يسبب “حوادث مرورية يومية، ويتسبب في تعطيل حركة الحي”. ويقول: “لو كان هناك مريض لا يستطيع الذهاب إلى المستشفى، ولو حصلت حالات طارئة يصعب على المسعفين الوصول إليها، ولو اندلع حريق صعب على الدفاع المدني الوصول إليها”. عرق وحرمان التقينا الطالب ماهر فيحان العتيبي، والعرق يكسو وجهه ويبلل ملابسه، حيث أصابه التعب من البحث عن موقف لسيارته، فلم يجده إلاّ في آخر الحي. أتى ماهر يهرول ممسكا بشماغه في يد والكتب في اليد الأخرى، ليدخل على قدميه إلى مبنى قاعة المحاضرة، وإلا تم حرمانه من حضور المحاضرة، وحسمت عليه الدرجات. يقول العتيبي: “أتيت قبل ساعة بالضبط لأغتنم عامل الوقت في الدوران لعلي أعثر على موقف لسيارتي”. ويضيف: “لكن لم أجد إلا بعد مسافة كيلومتر بعيدا عن الجامعة”. ويستغرب العتيبي والحزن يملأ عينيه، على مستقبله العلمي؛ ويتساءل: “كيف استوعب دروسي وأنا آتي هرولة، ومتشتت الفكر خوفا على سيّارة والدي الذي قال لي بالحرف الواحد (انتبه تصدم بها أو أحد يسرقها)”. ويشير إلى غياب الرقابة الأمنية على جميع السيارات، إضافة إلى كثرة المشكلات مع سكان الحي، الذين يضطرّون إلى تنسيم كفرات سيارات الطلبة كإنذار، حتى لا يعودوا للوقوف أمام منازل السكان. اقتراح مهم ويشير العتيبي إلى “وجود كارثة أخرى، فجميع هذه التراكمات الذهنية والبدنية، تؤثر في معدّلات الطلبة، لشرودهم الذهني خلال الدراسة”. ويصب ماهر اللوم على الجامعة. ويقترح إن لم تعمل الجامعة مواقف للطلبة، فعليها توفير حافلات لنقل الدارسين من وإلى مواقع يتجمعون فيها، بحيث تضم كل حافلة 50 طالبا. وحتى يتجنبوا تكدسهم العشوائي أمام منازل السكان، ولا يضطرون إلى إغلاق الشوارع والأرصفة، وحتى تأمن سياراتهم من الزحام الشديد. ماذا أفعل؟ ويجزم صالح الغامدي، أحد سكان الحي، أنه لو حدث حريق بأحد المنازل أو بسيارة أحد الطلبة، فإن من المستحيل دخول عربات الدفاع المدني أو الهلال الأحمر لإخماد الحريق، أو تدارك الموقف. ويضيف أنه لأكثر من مرة، مرضت ابنته الصغيرة، وتجرّع ألم الانتظار لحين خروج الطلبة، وإخلاء الحي. ويقول الغامدي إنه طلب الإسعاف لابنته المريضة، وتعذّر وصوله بسبب الزحام الشديد. ويضيف: “لقد حرصت فيما بعد على المبادرة لشراء صيدلية صغيرة تكون بمنزلي وبها أدوية طبية لحالات الطوارئ حتى أتغلب على مشكلة الزحام”. ويشير إلى أن دوامه يكون دائما في حدود الساعة 8.30 صباحا، لكنه يضطر إلى الذهاب إلى العمل قبل الساعة السابعة صباحا، خوفا من ازدحام الحي بالطلبة، وانغلاق معابر الخروج، فيتسبب ذلك في غيابه عن عمله. عطش وجوع ويشير عبدالله القرشي، أحد سكان حي الأمير محمد القديم بالحوية، إلى أن “أصحاب (وايتات) المياه قاطعوا حيّنا أثناء أوقات الدراسة، بسبب انغلاق منافذ الحي بسيارات طلبة الجامعة من جميع الجهات”. ويقول إن “المياه انقطعت عنا مساءً، وقمت بطلب أحد سائقي الوايتات عند الساعة 7 صباحا، وعندما أراد الخروج من الحي بعد إفراغ المياه، والبحث عن زبائن آخرين يستفتح بهم باب رزقه ويبيع لهم المياه، لم يجد مخرجا لصهريجه إلا عند الساعة الثالثة عصرا”. ويؤكد أن “هذا كان بمثابة الصاعقة عليه، وقال: “والله لن آتي هنا مرة أخرى لو أموت أنا وأبنائي من الجوع”!.