سمّيعة حينما كانت الساحة الفنية الخليجية بيد مطربين حقيقيين، وشعراء يشعرون.. كان من الطبيعي أن نشرع مسامعنا لأغنية، نسافر بمضمونها ويطلع لنا منها أحبة أودعناهم ذكرياتنا.. نرى فيها لقاءات أحبة ووداع آخرين. كان من الطبيعي أن نسمع الأغنية ونكرر سماعها.. ومن البديهي أن تشق كلمة “يا سلام” طريقها من عمق قلبنا نحو من يجلسون معنا إذا ما لاح في المدى صوت أغنية نحبها. كان حال الأغنية بألف خير. تلوث سمعي قد يكون الفنان الخليجي وقتذاك ليس بمعروف في بلاد الشام والمغرب العربي أو مصر كما فيروز عندنا.. أو كما وديع الصافي.. وأم كلثوم.. لكن أغنيات “مقادير” ولنا الله” وغيرهما كانت تدندن بهم شفاه كثيرة غير خليجية من دون أن تعرف من يغنيهما.. كان ذلك انتصارا للفن الخليجي وللهجة التي وصلت صافية دون تشويه على لسان أهلها إلى غير أهلها. اليوم بإمكانكم أن تضيفوا للأمراض _ سريعة التفشي _ التي تهدد العالم مثل جنون البقر وإنفلونزا الطيور والخنازير وغيرها من الأمراض التي قد تقدم إلينا داخل طبق الطعام، مرض جديد تحشى به آذاننا عنوة.. هو مرض “التلوث السمعي”. وحين يكون هذا الفايروس آفة عامة فمن الطبيعي أن نبقى من المتفرجين، لكن أن تحارب ثقافتنا بسلاحنا فهذا مؤلم جدا.. طب ليش كذا؟ فضل شاكر، نوال الزغبي، نورهان، ديانا حداد، مي حريري، راغب علامة، ليلى اسكندر، ساندرا يوسف، نانسي عجرم، آدم ، ميريام فارس، وغيرهم من لبنان والمغرب وسورية ومصر “أستثني أريام وأنغام وبعض أغنيات أصالة وآخر أغنيات يارا”، أسماء أوكلت إليها مهمة توصيل أغنياتنا الخليجية إلى الجمهور الخليجي فلا تقبلناها نحن كخليجيين، ولا أفادت غير الخليجيين! فما جدوى أن تغني ميريام فارس أغنية خليجية لا يمكن لخليجي أن يفهم منها مفردة واحدة لأن مخارج الحروف لدى ميريام لا تتوافق مع مفرداتنا.. ولأنها تقدم شيئا هي نفسها لا تفقهه، ومن يسمعه من بني لهجتها سيرددون وراءها الكلام وفقا لما يسمعون وقد يكون خطأ! هذا “الاندفاع الأعمى” من بعض شعراء الأغنية على الساحة الفنية أوجد منطقا خليجيا أعرج لا يعرف أين يتجه، فلا من يؤديه يفعل ذلك بشكل سليم. ولا نحن كخليجيين يمكن أن نتقبله، لا سيما أن ما لا يعرفه اللبناني أو السوري أو المغربي أن اللهجة الخليجية كغيرها من اللهجات تنقسم على نفسها؛ فالكويتية غير البحرينية والسعودية والقطرية والإماراتية والعمانية، وكذلك ثمة انقسامات داخلية بين الغربية والشرقية والجنوبية.. الخ. ربما أعمق مثال على ما أقصده ما سمعته ذات مرة على إحدى القنوات الفضائية في لقاء مع فنانة تلقت اتصالا من شاب خليجي.. فرغبت في استقباله بلهجته وقالت له “كيف حالش”؟!! قفلة هذه الفوضى الحاصلة في الساحة الفنية للأسف أبطالها شعراء.. والشعراء عادة من المفترض أن يكونوا ذوي ذوق عالٍ لكن بعد الحاصل لنا أن نقول: كيف يمكننا أن نؤمن بشاعرية شاعر يقدم “لهجته” للسان غير كفؤ كي يلوكها؟!! نصيحتي لكم: سدّوا آذان أطفالكم حينما يجلسون أمام شاشات التلفزيون أو إذاعات الراديو، قبل أن يصبح الجيل القادم من أولادنا ينطقون بلهجة خليجية مستوردة من لبنان وأشقائه! وحفزوا الشعراء على صب الشعر في قالب يستحقه، فالشاعر رأس الجمال متى ما فسد أفسد الكل!