منذ الصباح الباكر وأنا أسابق الزمن.. فبعد أن أملأ صندوق سيارتي بما قسمه الله لي من خيرات هذه الأرض، أتجه مسرعا لأحجز لي مكانا على جنبات أحد شوارعنا الرئيسية. أتصبح يوميا على وجوه عابسة ليس لديها متسع من الوقت للبحلقة في وجهي، أو إلقاء التحية علي، لأردها. عندما تتعامد أشعة الشمس على رأسي، لا أجد أمامي سوى كابينة المركبة لأستظل تحتها وأكون حينها كالمستجير من الرمضاء بالنار. كل هذا لا يهم، طالما هو في سبيل الحصول على لقمة عيش كريمة. لكن ما يزيد خوفي وقلقي ويجعلني متوترا، الزيارات المتكررة لمراقبي البلدية، وهي زيارات بالنسبة لي وزملائي غير مرحَّب بها إطلاقا. فهم في غالب الأحيان لا يتفهمون ظروفنا المعيشية الصعبة، ولا يعلمون أن أحدنا قد يعمل طوال اليوم لتوفير علبة دواء لوالدته المسنة، أو لجلب حليب لأحد أطفاله. ونحن لسنا ضد النظام، بل ضد التعنت والتضييق والتهديد الدائم والبيروقراطية، التي ليس لها حد.