الإنسان بكافة خصوصياته وأركان شخصيته مليء بالأسرار والقدرات والمواهب، ولكنها مخفية ومطوية بين جدران ذاتيته. وليس من السهولة كشف حقيقة هذه المجالات، وما يظهر منها على مسرح الحياة أو يصبح ثمرة من ثمرات الشخصية الإنسانية قليل جدا أمام حقيقة الذات المدفونة في كيان الإنسان، لذلك، لا بد على كل عاقل أن يحسب لهذه المسألة حسابا خاصا لأنه ذو أهمية وبجدية أن يحاول بكافة الوسائل المساعدة لاكتشاف هذه الحقيقة، وأن يطلب مساعدة الآخرين من أساتذته وشيوخه وأصدقائه وآبائه للوصول إلى الهدف، وأن يقرأ ويتابع لمعرفة المزيد حول الثقافة الشخصية لها الغرض. إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجعله قادرا على التطور والتنمية باستمرار، وأعطاه القدرة على الارتقاء في مدارج الكمال؛ لذا فبإمكان المرء أن يرتقي ذاتيا ويطور شخصيته.والسبيل إلى اكتشاف الذات من أعظم الأهداف التي سعت إلى تحقيقها رسالات السماء، أن تقدّم العون للإنسان من أجل أن يكتشف ذاته؛ لأنه عندما يولد؛ يولد وكل جوارحه وأحاسيسه عبارة عن نوافذ تطل على العالم الخارجيّ، وتسعى من أجل اكتشافه؛ وعلى سبيل المثال فإن عين الإنسان موجّهة إلى الخارج، وهكذا الحال بالنسبة إلى أذنه، وحاسة اللمس، والذوق، والشم عنده. وفي خلال مسيرته التي قد تطول سيكتشف الكثير من حقائق، وظواهر هذه الدنيا المحيطة به، ولكنه - مع ذلك - قد يبقى في النهاية غير مكتشف لنفسه التي هي أقرب الأشياء إليه. وهنا يبدأ التناقض الكبير بين إنسان يعرف كلّ شيء عن العالم، ولكنه لا يعرف - في ذات الوقت - أيّ شيء عن بيته الذي هو أقرب الأشياء إليه من بين العالم المحيط به. وهذا التناقض من شأنه أن يحمل الإنسان إلى ما لا تحمد عقباه؛ فمشكلة الغالبية العظمى من الناس تكمن في هذا الجانب، وهو أنّهم لم يكتشفوا أنفسهم، ومثل هؤلاء يقتلون الطموح في داخلهم.