تواصلت أمس مظاهر الهوس بالزئبق الأحمر، الذي أشيع أنه مضمّن في إبر مكائن الخياطة المصنّعة بواسطة شركة سنجر الألمانية. وأثارت مشاهد البيع والمزادات التي انتشرت في الأسواق الشعبية بعدد من المدن دهشة الكثيرين، من توسع نطاق الشائعة خلال أيام قلائل لتقطع آلاف الكيلومترات حاملة رسالة الثراء السريع والكسب المضمون الذي لا تُعرف بعد كيف ستكون نهايته، لتحتل المكائن موقعها من هوس (المكاسب السهلة)، بعد الأسهم والمساهمات. في حفر الباطن، حيث يقال: “إن الشائعة انبعثت من هناك”، تدور أقاويل عن رجل ألماني وآخر أردني، كانا من أطلق تلك الشائعة لأهداف مادية، ويبدو أن الاثنين ظنا أن إشاعتهما ستبقى محصورة في حفر الباطن وربما لدى بعض مدن الشمال، لكن الحقيقة أن الجميع حتى في المناطق والمحافظات الأبعد تماما عن الشمال، تحولوا بين ليلة وضحاها إلى بائعي مكائن خياطة. ولم تصدر وزارة التجارة بعد؛ أي بيان بخصوص ما يحدث، غير أن الشركة الألمانية الصانعة للمكائن سبق وأعلنت عن عدم صحة الشائعة، وألمحت إلى أنها لو كانت تملك الزئبق الأحمر لتاجرت به بنفسها، إذ لا ينقص الشركة الذكاء حتى تفرط بهذه المادة السحرية وتضعها في إبر خياطة متجهة للعرب. ومن جانبه قال عبدالناصر أحمد نائب مدير شركة الصبان لمكائن الخياطة، وهي الوكيل المعتمد لمنتجات (سنجر) في البلد: “إن مكائن سنجر خالية من أي مواد كيميائية ثمينة”، وأضاف: “السعر الحقيقي لمكائن سنجر القديمة لا يتجاوز في الواقع 30 دولارا”. وحول مصدر الشائعة قال أحمد: “إن مدير سنجر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أبلغ الشركة الأم بمعلومات عن أردني يعتقد أن له دورا في الشائعة”، وقال: “إن شركة سنجر خاطبت السلطات الأردنية بهذا الخصوص”. إلى ذلك، وصلت أسعار البيع حتى مساء أمس إلى 15 ألف ريال في جدة و25 ألفا في الرياض و30 ألفا في الأحساء، وهذه أسعار وقفت عليها “شمس” عبر مراسليها، الذين قال لهم بعض الباعة في الأسواق: “إن هذه ليست سوى البداية، وإن المتوقع أن تصل الأسعار إلى ربع مليون. وهذه الأرقام الخيالية، لا تذكّر إلا بقضايا المساهمات الاحتيالية كمساهمات سوا والمساهمات العقارية، ففي تلك الأوقات كان الغالبية متأكدين من الألوف المؤلفة التي ستدرها عليهم المساهمات الوهمية، كما هم متأكدون هذه الأيام من قدرات مكائن سنجر المالية. لكن تأكيدات أرباح المساهمات ذهبت أدراج الرياح، ويبدو أن سيناريو المساهمات يتكرر ثانية، لكن مع نكهة تراثية؛ لإضفاء جو عائلي حميمي أثناء بحث الأسر عن مكائن جداتهم اللواتي يتلقين دعوات كثيرة بالرحمة هذه الأيام للتركة الثمينة التي خلفنها. ولا أحد يعرف أي نوع من الدعوات ستتلقاها الجدات بعد أن تنتهي فعالية الأكذوبة.