الطالبات يجدن فيها ملاذا يبددن من خلاله ما علق بأنفسهن من قلق وتوتر من جراء جهد الدراسة، وهمّ الاختبارات، تلك هي (حفلة الوناسة) التي يتم الحجز لها منذ وقت مبكر يصل إلى الشهر، كما يتم من أجلها دفع المبالغ التي ترهق كثيرا من أسر هؤلاء الطالبات. وعلى الرغم من وقوف المجتمع إزاءها على طرفي نقيض؛ فمنهم من يراها موضة دخيلة على المجتمع يجب الوقوف إزاءها، وتأييد الآخرين لها بدعوى أنها وسيلة للترويح عن الفتيات، إلا أنها آخذة في التوسع بين الطالبات. “شمس” رصدت هذه الحفلات آخذة برأي الطالبات والمختصين. ترفيه تشير منال أيوب (صاحبة خبرة في إقامة الحفلات) إلى أنها مهتمة بمثل هذه الحفلات، التي ترى أهميتها لهؤلاء الطالبات بعد أجواء مشحونة من التوتر والقلق من جراء الفصل الدراسي الطويل والاختبارات المرهقة نفسيا وبدنيا: “لا توجد طريقة ترفه بها الفتيات عن أنفسهن بعد جو ضاغط سوى إقامة هذه الحفلات والاستمتاع بها في أماكن تحفظ لهن خصوصيتهن سواء في المزارع حيث الخضرة والهواء العليل والمكان المناسب والمجهز، أو في المطاعم والاستراحات حيث التجهيزات والإمكانات الترفيهية”. وعن الوقت الذي يحتاج إليه التجهيز لمثل هذه الحفلات، ومقدار التكاليف تضيف: “غالبا ما يحتاج التجهيز إلى ما بين أسبوعين وشهر، وغالبا ما تقوم الطالبات بعمل تجهيزات الحفل بشكل جماعي، ويشارك الجميع في دفع المصاريف؛ الأمر الذي يخفف العبء عنهن، كما أنه يسهم في إسراع الوقت الذي تحتاج إليه الترتيبات، وتتولى في بعض الأحيان إحدى الفتيات إقامة حفل على حسابها أو في مكان خاص لأسرتها، فتقل المصاريف على المحتفلات”، وعن سبب تنامي هذه الاحتفالات في أوساط الطالبات، ترى منال من وجهة نظرها أن قلة خيارات الترفيه للمرأة هي الدافع لإقامتها، مضيفة: “هناك الكثير من وسائل الترفيه المتاحة أمام الشباب لا تستطيع الفتيات محاكاتها، فلا يستطعن مثلا الخروج في مجموعات رحلات بحرية أو رحلات برية، أو للتخييم؛ الأمر الذي يدفعهن إلى البحث عن أماكن تتناسب مع وضعهن لإقامة هذه الحفلات كالاستراحات والمزارع الخاصة من أماكن تضمن الخصوصية؛ ليأخذن راحتهن في الترفيه عن أنفسهن”. وناسة تضيف حنان عن هذه الحفلات قائلة: “(حفل الوناسة) هذا هو الاسم الذي تطلقه الفتيات على الحفلات التي يعددنها بعد انتهاء الاختبارات، والتي ينسين بإقامتها كل صعوبات وإرهاق السهر والدراسة، ولكن بعض هذه الحفلات أصبحت مكلّفة، ومصدر إزعاج وضغط على الأهالي الذين لا يستطيع بعضهم دفع مبالغ كبيرة من أجل إقامة حفلة”. وعمن تنتشر هذه الحفلات بينهن تضيف حنان: “حفلات الوناسة أصبحت موضة بين فتيات الثانوية والجامعة بشكل خاص، وهذا لا يعني عدم وجودها بين طالبات مرحلة المتوسطة؛ فهي موجودة عندهن ولكن بحجم أقل، كما أنها تكون تحت إشراف الأهل وتقام في المنازل، أما حفلات الوناسة التي بدأت في الانتشار فهي ما تتم بين طالبات الثانوية والجامعة، تلك الحفلات التي تستعد لها الفتيات من قبل بدء الاختبارات، والتي يكلف بعضها عشرة آلاف ريال، فتقام في الاستراحات والمزارع، وبعضهن يحجزن قاعات في الفنادق ترتب لهن كامل الحفلة، وتختلف أنواع الحفلات حسب رغبة المنظمين لها؛ فهناك الحفلات الصاخبة التي تصاحبها آلات الموسيقى والغناء ومستلزماتها، وهناك الحفلات الهادئة التي تكون أشبه بحفلات الشواء العائلية”. قَطَّة سكينة علي (طالبة في المرحلة الثانوية) تستعد مع صديقاتها لإقامة حفل كبير قبل العودة إلى المدرسة؛ لنسيان حسب تعبيرها جو الاختبارات والعودة إلى المدرسة بنشاط وحماس، تقول سكينة: “الإجازة قصيرة جدا ولا تكفينا للترفيه عن أنفسنا ونسيان الفصل الدراسي المنصرم بمتاعبه وصعوباته، فنلجأ إلى إقامة هذه الحفلات؛ لاستثمار الإجازة في جو من المتعة؛ لأن غالبيتنا لا تسمح لهن ظروفهن وظروف أسرهن بالسفر؛ فالحفلة التي نجهز لها قد تستغرق أكثر من يوم، وقد يبيت بعضنا في المزرعة برفقة والداتهن، وكل هذه الأشياء نرتب لها مسبقا ونشترك في دفع التكاليف التي قد تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من ألف ريال تدفعها كل واحدة منا لنغطي بها مبلغ إيجار المكان والضيافة والوجبات ولوازم الحفلة”. وعن مدى تقبل أهلها لذلك تذكر: “بعض صديقاتي يعتذرن عن الحضور لرفض أهلهن حضورهن مثل هذه الحفلات أو لعدم تمكنهن من تغطية نفقاتها، وهنا نتطرق إلى معالجة هذه العوائق؛ ففي حالة رفض الأهل نقنعهم بالسماح لابنتهم بالحضور، حتى لو كان الحل دعوة أمها لمشاركتها الحفل مع ابنتها، وفي حال عدم قدرة إحداهن على المشاركة في تكاليف الحفلة نقدم الدعوة لمشاركتنا دون مقابل”. وعن ممانعة الأهل في حضور بناتهم تضيف: “هذا الأمر قليلا ما يحدث، بل هناك أمهات يرتبن ويقدمن كل مستلزمات الحفل ويجهزن بطاقات الدعوة”. انتقاد أما غادة عبدالله التي ترفض حضور الحفلات وتنتقد زميلاتها ممن يقمن بها فتقول: “في كل عام تظهر لنا حفلة جديدة ونوع جديد من الأمور التي لا تخرج عن إطار المبالغة والمباهاة والتي لا يحترم كثير منها خصوصية المجتمع ومحافظته”، مشيرة إلى أن أكثر هذه الحفلات تكون تقليدا للحفلات الغربية ولا تختلف في مصروفاتها عن حفلات الزواج، بل إن بعض الفتيات يجهزن لها من الملابس والزينة والمكياج كما يُجهَّز للأعراس، وهذه المصاريف مبالَغ فيها، كما أنها غير مقبولة عرفا أو دينا؛ فهي من التبذير الذي يجب أن نمتنع عنه ونحذره”، وعن موقف أغلب الفتيات من هذه الحفلات تقول: “غالبية الفتيات لا يقمن بهذه الحفلات ولا يحضرنها، كما أن غالبية الأهالي يرفضون أن تدفع بناتهم مبالغ طائلة من أجل حفلة ترفيه ليوم واحد، إلا أنها بدأت تنتشر بين الفتيات بأشكال مختلفة، بعضها أشبه بالعزائم العائلية، وبعضها وهو المرفوض أشبه بحفلات الزواج، وبين النوعين يوجد العديد من الأنواع التي يقف منها الناس على طرفي نقيض؛ فمنهم من يرفضها، ومنهم من يرحب بها”. تواصل وتذكر فاطمة إسماعيل (معلمة مرحلة ثانوية) أن ما تنظمه الفتيات من الحفلات أو الخروج في رحلات ليس بالأمر المستغرب أو المرفوض اجتماعيا: “بل هو شكل عادي من أشكال التواصل الاجتماعي ما دام هذا التواصل لا يخالف عادات المجتمع وتقاليده، ولكن حين تخرج هذه الحفلات عما هو مقبول اجتماعيا وأخلاقيا فلا يمكن القبول بها، خصوصا حين تكون هذه الحفلات مكلفة ومبالغا فيها”، مضيفة أن المدارس شهدت قبل عدة سنوات دعوات لإقامة حفلات تخرج للطالبات، وكانت المدارس في البداية لا تقبل بإقامة هذه الحفلات داخل المدارس، فاتجهت الطالبات لإقامتها في منازلهن أو في المزارع أو الاستراحات؛ الأمر الذي كلفهن مبالغ كبيرة: “ولكن من خلال التواصل بين الطالبات والمدرسات والتفاهم مع إدارات المدارس أصبحت مدارس كثيرة تنظم حفلات التخرج في المدرسة؛ ما تسبب في اختفاء مثل هذه الحفلات خارج نطاق المدرسة”، مشيرة إلى أن استيعاب الطالبات من خلال مزيد من النشاطات داخل المدرسة أو خارجها يزيد من ثقة الطالبات وعلاقتهن بالمدرسة وإدارتها.