بالرغم من المزايدات المستمرة عليها، استطاعت السياسة السعودية عبر حقﺐ متعاقبة من تاريخها، ﺃن تكرس نهجا خاصا بها، ﺃثبتت من خلاله حنكتها في إدارة الأزمات وقدرتها على التعامل مع القضايا العربية والإسلامية. وﺃصبح فن الممكن السعودي نموذجا للعقلانية وسط عالم مضطرب لا يعرف الاستقرار. فمنذ ﺃن التأم شمل المملكة العربية السعودية تحت راية الملك الموحد عبدالعزيز بن عبدالرحمن (رحمه اﷲ)، تحددت ملامح السياسة الخارجية السعودية في التعاطي مع قضايا ﺃمتنا، وقد جسدها الملك المؤسس في اجتماعه مع الرئيس الأمريكي "روزفلت" على ظهر السفينة عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية من خلال موقفه الحازم الرافض للمساس بفلسطين، واطلاع الرئيس الأمريكي على حقيقة الوضع مستندا إلى ﺃبعاد تاريخية ودينية؛ مما جعل الرئيس "روزفلت" يغير رؤيته تجاه الصراع، إلا ﺃنه لم يتسن إظهار هذا الموقف الجديد لروزفلت في السياسة الخارجية الأمريكية؛ لوفاته بعد فترة قصيرة من الاجتماع؛ ليخلفه "ترومان" الذي اتخذ موقفا مغايرا تماما واعترف بإسرائيل عام 1948. وعندما ﺃقيم حلف بغداد الذي كان يستهدف وحدة الصف العربي لصالح القوى الاستعمارية آنذاك، عقد اجتماع بين السعودية ومصر وسورية للتصدي لهذا الحلف، وكان يرﺃس الوفد السعودي الملك "سعود" (رحمه اﷲ)، ليشكل هذا المثلث العربي ركيزة العمل العربي المشترك بما يحفظ مصالح الأمة. وبعد نكسة 1976، سما "الفيصل" (رحمه اﷲ) على كل ﺃشكال الخلاف ليعلن في مؤتمر الخرطوم تشكيل لجنة ثلاثية من السعودية والكويت وليبيا لدعم مصر؛ وهو ما مكن الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر" من إعادة بناء القوات المصرية ليبدﺃ حرب الاستنزاف التي ﺃدت إلى انتصار العرب في حرب ﺃكتوبر 1973. ولم يتردد "الفيصل" (رحمه اﷲ) في استخدام النفط كسلاح في المعركة في حرب 1973، ولم تتم إعادة ضخ النفط إلا بطلﺐ من الرئيس الراحل "ﺃنور السادات" في اجتماع الجزائر، كما قام الملك "فيصل" بجولته الشهيرة إلى العديد من الدول لقطع علاقاتها مع إسرائيل. وكانت الحرب الأهلية اللبنانية محكا آخر لقدرة الدبلوماسية السعودية على تجاوز الخلافات العربية وجمع الفرقاء، ولم يتم حقن الدماء اللبنانية إلا من خلال اتفاق "الطائف" الذي رعاه الملك "فهد" (رحمه اﷲ)؛ ليخرج لبنان من دوامة حرب ضروس ﺃتت على الأخضر واليابس. وامتدادا لهذا النهج الخاص للسياسة الخارجية السعودية، كانت عاصفة غزة منعطفا صعبا آخر للعلاقات العربية العربية، ونجح الملك "عبداﷲ" في انتشال الموقف العربي من المأزق الذي آل إليه، والحيلولة دون الانزلاق إلى الهاوية في القمة الاقتصادية الأولى بالكويت عبر دعوته كل الأطراف العربية مبتدئا بنفسه لتجاوز كل ﺃشكال الخلاف، والتأريخ معا لحقبة عربية جديدة على ﺃساس من الحوار الواعي المدرك للأخطار المحدقة بعالمنا العربي، والهادف إلى الحفاظ على وحدة الأمة في عالم يشهد تكتلات اقتصادية وسياسية تخدم مصالحها وتتربص بمصالح العرب. إن فن الممكن السعودي المستوعﺐ للمتغيرات الزمانية والمكانية في رؤية ثاقبة، ﺃكد عبر الأحداث المتتالية قدرته على إعادة التوازن للمعادلة السياسية العربية انطلاقا من الثوابت الراسخة التي وضعها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن (رحمه اﷲ). ﺃفليس الاحتذاء بهذا النهج الواعي سيسطر آفاقا ﺃكثر إشراقا لواقعنا الحالك؟