وداعا يا تلك الأرواح التي أُزهق هدوؤها في سنوات الانتظار، مات حلمها القادم في غُربة، في طرقات ملّت الذهاب والعودة. وداعا، يا تاريخ اليوم.. ويا درس المنحنيات، ويا عروض الفراهيدي، ويا انكسار الضوء، ويا تفسير الضحى، ويا جدول المعادلات، مضيت ِيا تلك العلوم وفرائدك الغاليات يرقدن تحت الثرى. هل عرفت غالياتك؟ يا تلك العلوم، إنهن ربّات التعليم الصابرات العصاميات اللاتي لم ييأسن من طول الانتظار، ولكن هذا البعد طال وطريق الوصول بعيد المدى. وأضحت تلك اللقمة التي يحصدونها لقمة صعب تجرعها، واستساغتها، إنها لقمة بلون الدم ورائحته، ببياض الكفن، وظلمة اللحد. بالأمس سمعت نحيبا من أحد البيوت المجاورة، ذرفت عيناي لتلك الدموع التي كان سببه فقدان إحدى المعلمات على طريق ضبا - تبوك، بكيت بكل حرقة وحرارة بسبب معاناتي لنفس تلك المحنة عندما كنت معلما هناك حيث فقدت الأغلى كذلك. واليوم ماعادت الطرقات ترحم، ولا السيارات المتسابقة ترأف. وأصبح الوصول في أقرب وقت هو المبتغى، هم أولئك السائقون لنقل المعلمات، وهن مرعوبات لا يدرين ما الذي سيكون، كثرت دماؤهن، نعم كثرت، وتناثرت أشلاؤهن وأحلامهن قُتلت في قبضة ذلك (السائق). يا ألله كم أضنيت تلك الضفائر، غرقت وهي لا تجيد العوم. عند مقبرة الفيصلية بجدة شاهدت كهلا يمسح دمعاته، ويرفع كفيه طالبا الرحمة لابنته المتوفاة، وبعد أن قضى الدفن ونفْث التراب، بكى بحرقة الكبار، ووضع يده الحانية على رأسه، ويتذكر دون كلام. شاهدت ذلك المنظر ووجهي غرق في الدموع. فنداؤنا لكِ يا تلك الوزارة الوقورة أن تجدي حلا يعيد الآمال من جديد ويجعل تلك اللقمة طاهرة تخلو من عبث الدماء.