النقد والانتقاد وبيان الأخطاء منه ما هو بناء ونافع ومكمل للعمل وداع للتصحيح والاستمرار ومحفز للنجاح والتميز، ومنه ما هو هدّام وضار ومنقص للعمل وداع للانقطاع ومحطم للآمال ومانع من النجاح والتميز، ولكل نوع فنه وطرقه وأساليبه. وهناك عدد ليس بالقليل تخصصوا في هدم التميز، وتحطيم مبادئ النجاح، وتكسير أسوار الإبداع، ويحتجون بأن ما يقدمونه من عمل هو نقد يستفيد منه العامل ليعدل به أخطاءه، وما علموا أن مضاد ما قالوه هو ما يحدث وهو تحطيم آمال ذلك الناجح أو شبه الناجح، وأن ما قالوه أو تعلموه هو دعوة منهم لذلك المبدع للوقوف في مكانه أو الرجوع للخلف حتى يسلم من شرهم. هذه فئة من الناس تخصصت في الاصطياد في الماء العكر، والبحث عن النقاط السوداء فقط في الصفحات البيضاء، فإن لم يجدوا تناسوا العمل وكأنهم لم يروه، وإن وجدوا ما أرادوا قدموه للمجتمع بحجة أنه نقد بنّاء وأنه ملاحظة وجيهة وأنه دعوة منهم لاستكمال نجاح العمل! ولو أنهم صدقوا لقدموا الصواب قبل أن يقدموا الخطأ، ولو كانوا صادقين لمدحوا قبل أن يذموا، ولقالوا ما عندهم عمن يعنيه الأمر، ولم يفصحوا عن ذلك عند الناس عامة. هذا السلوك الخاطئ مصدره الأنانية وحب الذات واعتقاد أن النجاح لي ولأبنائي فقط، وغيرنا حليفهم الفشل. مصدره هو حب الشهرة ولو على أكتاف الآخرين، فإن أردتم أن تعرفوا نجاحي فانظروا إلى قوة ذكائي بمعرفة أخطاء الناجحين، فهذا دليل على أنني أنجح منهم بل هم فاشلون. فتجد بعض الناس يبني بيتا ويبذل قصارى جهده في تشييده وتزيينه وتنسيقه ويدفع من أمواله ما لا حصر له وإذا انتهى أتاه رجل لا يملك بيتا أبدا فيقول له: تصميمك خاطئ وألوانك غير متناسقة والإضاءة ضعيفة. وهكذا.. ثم يخرج من عنده فيجد أناسا يمدحون بناء هذا الرجل وجمال منزله فينطلق قائلا: ألوانه فيها كذا.. وتصاميمه فيها كذا.. و... ثم يصد إعجاب الناس عن منزل هذا الرجل حتى يتجهوا إليه ويعجبوا به وبأفكاره. وإذا سألته لم قلت هذا؟ قال: نقد بنّاء أريد أن يكمل جمال البيت به. بل إنه نقد هدّام يريد به جلب الأنظار إليه.