معالم رئيسة وخلوات روحية وتفكّر إيماني، وقبل ذلك كل احتشاد لتلك المعاني إنما هو يطوّف في وحدة موضوعية وترابط فلسفي عميق لحكمة الإيمان الكبرى.. الإيمان بالخالق وبهدف الخلق وبمهمة المخلوق وبرسالة النبوات وخاتمة الطريق حيث الجزاء، هل تلك المعاني العظيمة تُستحضر عند رحلة الحج التاريخية ﺃم ﺃن اضطراب الفهم لأصل الفكرة وازدحامها مع ضجيج المشهد يُذهﺐ كثيرا من حكمة الحج والرحلة المقدسة الكبرى؟ ! ﺃم القضية تقف عند ذلك الاصطفاف والتداعي، والالتقاء لكل ﺃقاليم الدنيا وﺃجناسها في وحدة الشعار والدثار، وخطة السير وتفاصيل الرحلة ببرنامج إلزامي يجمع الفقير بالغني والرئيس بالمرؤوس، والبشرة البيضاء بالملونة والخطاب واحد: (ﺃيها الناس خذوا عني مناسككم.). فقط ﺃيها الناس لا الزعماء ولا القادة ولا التجار ولا الفقراء، الصفة واحدة، وتأكيدا لهذا المفهوم الوحدوي جاءت خطبة الوداع لتكريس قصة المساواة والحرية الكبرى في نداءات من البشير صلى اﷲ عليه وسلم متتابعة لا ربا ولا دماء ولا ثأر ولا تفرقة بين عربي وﺃعجمي، ولا ﺃسود ولا ﺃبيض.. إنها التقوى فقط، التقوى وما التقوى؟ تلك قصة ﺃخرى. إن التقوى ليست مظاهر يتزين بها الجسد، سواء ﺃكان هذا التزين دينيا في نظره ﺃم دنيويا، وليست رحلة مناسك في ﺃجواء ﺃرستقراطية يتقلﺐ في نعيمها، ويُفسح له الطريق فيكون حاجا ﺃكبر في مقابل الحُجاج الصغار، وليست هي ﺃيضا عند الفقير والغني على السواء طقوسا تدين لهذا الشيخ ﺃو المتُعبد ﺃو المتنسك.. كلاّ، إنها ﺃخلاق الروح تعلو فيعلو سلوك الجسد، ويخضع بقبول وﺃريحية لمفهوم الوحدة والمساواة والحرية بين البشر كل البشر. ولذا فإن ﺃول ما تستهدف الرحلة توحيد تلك المشاعر والنفوس وﺃخلاط الشعوب بأن العبادة في ﺃصلها التوحيدي العظيم هي للخالق فقط وبلا تنازل عن ﺃي نسبة لأي كائن كان. إنها للخالق.. وانظر معنى المؤتمر الأممي ماذا يعني؟ الخلق كلهم مجتمعون موحّدون للخالق، وهذا معنى الحرية الكبرى.. الحرية من ﺃي خصوصية تُعطى لأحد تضطره لكي يتنازل عن حريته مهما عظم ﺃمره، وإن كان نبيا من الأنبياء صلوات اﷲ وسلامه عليهم إلاّ من خلال طاعة واستجابة من ﺃعطى حق الحرية للإنسان، ثم هداه لكي يستقيم على طريق النجاح، فلذا كان ﺃول الاحتشاد ﺃن يطوفوا بالبيت العتيق لتكريس هذه العقيدة التي تذكر في ﺃصلها بأنك سواسية مع البشر، من طاف معك، ومن تخلّف، فهل ﺃحسنت إليهم حين توحيدك الخالق العظيم، وﺃحسنت إلى نفسك بإطاعة هديه لأجلك ﺃنت، ولأجل خاتمة رحلتك.