هوسنا العجيب الذي نعيشه مذ عرفنا مبدأ «الستر» على الجاني جعلنا اليوم نمارس بحذافيره وننسى أمر القضية الأساس التي من شأنها سترنا عليه، فحين يسرق أحدهم المال العام، فإننا نجتهد في وضع كل الاحتياطات اللازمة لعدم تسرب اسمه لوسائل الإعلام، إلا أننا نفشل في وضع كل الضمانات التي لا تجعله يعود لممارسة السرقة مرة أخرى! حتى حين يتسمم 60 شخصا بعد تناولهم وجبة من أحد المطاعم التي تقدم ضمن قائمة طلباتها وجبة «المرض»! فإنه من السهل أن تتعرف على أسماء الضحايا وأعمارهم وجنسياتهم ومقاسات ملابسهم الداخلية، إن أردت، إلا أن المطعم الكارثة س«تحتفظ الصحيفة باسمه»! وإن قرأت خبر مريض لقي حتفه على يد سباك سابق، أتيحت له الفرصة فأصبح طبيبا في أحد مستشفياتنا الأهلية، يومها ستقرأ بيانات المتوفى وتاريخه المرضي والحيثيات والأسباب والاحتمالات! إلا أن اسم طبيب الغفلة سيصبح عصيا عليك! ولن تتمكن من معرفته إلا في حالة واحدة، أن تصبح ضحيته التالية! أما ما عدا ذلك فس«تحتفظ الجريدة باسمه»! وحين تحضر الجرأة في صياغة خبر آخر، فستقرأ أن الجهات الأمنية ضبطت كلا من «م. ن» و «ج. ر» بمساعدة من «ه. س» وجميعهم يحملون جنسية «آسيوية»، بعد أن أعدوا مصنعا لتصنيع الخمور وترويجها! وعندها يصبح الخبر بهذا الكم من الطلاسم صالحا جدا ليكون «تعويذة» لأكبر الكهنة! منطقة حيرة تعيشها وسائل الإعلام لدينا تجعلها تقدم رجلا وتؤخر أخرى قبل أن تكتب الأسماء الصريحة في هذه القضايا، وهي المنطقة التي اشتكى منها الأستاذ عثمان الصيني حين قال: «كل من مارس العمل الإعلامي بشكل عام والصحفي بشكل خاص، يدرك مدى الإرباك الذي تحدثه هذه المنطقة الضبابية»! حتى أصبح الكثير من أخبار الصحف هنا مبتورا حين يفتقد الاسم الأهم فيه، الأمر الذي جعله يطالب بلوائح واضحة ومحددة للمنطقة الضبابية تنضم إلى القواعد العامة والخاصة التي تضمنتها السياسة الإعلامية في السعودية. شهروا بالمجرم، اكتبوا اسمه بالبنط العريض، وإلا فستصبح عبارة «تحتفظ الصحيفة باسمه» مكافأة له على جريمته!