في حادثتين هزتا الشارع المكي وأبكتا قلوب الكبار قبل الصغار بعدما أقدم طفل في الصف الخامس الابتدائي على الانتحار بربط عنقه بحبل ستارة منزله ردا على منعه والدته من لعب الكرة ليلا بالشارع، ثم قام زميله بالمدرسة في اليوم الثاني بتقليد عملية انتحار صديقه ليلقى حتفه أيضا. ويقول مهند العلي أحد جيران الطفلين المنتحرين إن الأول طلب من أسرته الخروج للعب كرة القدم في ساعة متأخرة من الليل مع أطفال الحي، ورفضت والدته خروجه، أغلقت باب الغرفة على الطفل وأطلق بعدها عدة صرخات وقرع باب الغرفة لقرابة الساعة ثم اختفى الصراخ وعم الهدوء. وأشار إلى أن والدته فتحت باب الغرفة، وخرجت في حالة بكاء هستيرية عندما شاهدت طفلها فارق الحياة بعدما لف عنقه بحبل الستارة معلنا رحيله عن الدنيا. ويتسلم زمام الحديث وليد العمري الذي يشير إلى أن حالة الانتحار للطفل الثاني في الحي عندما سأل الطفل أخا الطفل المنتحر عن كيفية انتحار صديقه وبعد أن عرف الطريقة ذهب إلى منزله ونفذ سيناريو زميله ولحقه إلى عالم الأموات. وتقول المدربة والمستشارة الأسرية والنفسية بلجنة إصلاح ذات البين بمكة المكرمة الدكتورة سوسن رشاد نور إلهي إن هذه المرحلة العمرية المبكرة التي يطلق عليها مرحلة «الطفولة المتوسطة» لا يعي فيها الأطفال معاني بعض المصطلحات وبالتالي لا يقدرون عواقبها، عوضا عن ذلك فإن هذه المرحلة العمرية تتسم بالتقليد في أغلب جوانبها، فيمكن إرجاع ما أقدم عليه الطفل إلى عملية التقليد فقد يكون الطفل قد شاهد ذلك الموقف في بعض القصص التي تعتمد على الصور لإيصال المعنى أو في بعض أفلام الكرتون التي تعرض في بعض الفضائيات أو في بعض أفلام الكبار، فقلدها. وناشدت الوالدين بمتابعة أبنائهما وذلك من خلال متابعة كل ما يقع تحت أعينهما ثم ناشدت القنوات الفضائية بتقنين كل ما يعرض على قنواتها وإخضاعها تحت رقابة المسؤولين والمختصين. وحول كيفية حماية الأطفال من تقليد المنتحرين يشير عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الرئيس التأسيسي للجمعية السعودية لرعاية الطفولة معتوق الشريف إلى أن نحو 95 % من الأطفال يجهلون ماهية الانتحار وكيفيته ومفهومه مشددا على أهمية إجراء دراسات بحثية عن الحالات من قبل الجهات المختصة لمعرفة الأسباب ومعالجة الدوافع وتعزيز دور المسجد والدعاة والعلماء، وطالب بزيادة الخطوط الهاتفية الساخنة لعلاج حالات العنف والاضطهاد والأمراض النفسية وتنظيم حملات توعوية تشارك فيها كل الجهات لبيان خطورة الأمراض النفسية بجانب تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في أهمية التكافل الاجتماعي واحتضان من تراه يعيش في ضغوط نفسية أو تحت وطأة الفقر. وشدد عبدالعزيز الثبيتي المرشد الطلابي بمدرسة الحطيم الابتدائية بمكة المكرمة على تعزيز دور وسائل الإعلام في التوعية وبيان خطورة مشكلة الانتحار، لافتا إلى أن من الأدوار المهمة للمرشد الكشف عن المشكلات التربوية داخل المدرسة ثم إيجاد الحلول المناسبة لها. وأكد على تعزيز دور المرشد في التوجيه والإرشاد «الديني- الوقائي- التربوي- المهني- الاجتماعي» والعمل على تفعيلها أثناء العام الدراسي. ويفيد جمعة الخياط المشرف على التوعية والتثقيف والإعلام الصحي بمدينة الملك عبدالله الطبية بمكة المكرمة بأن حالات الانتحار في المملكة انتشرت أخيرا خاصة في أوساط المراهقين والأطفال وذلك نتيجة الضغوط الأسرية، حيث إن العديد من محاولات الانتحار لا يقصد منها الشخص قتل نفسه. وقال إن حالات التهديد ولفت الانتباه تمثل 15 % من عمليات الانتحار العامة داعيا الآباء إلى عدم الضغط نفسيا على أبنائهم وإبعادهم عن الاكتئاب وملاحظة السلوكيات الغريبة التي تطرأ عليهم. وقال إن الطفل يعتقد أن الانتحار شجاعة لما يشاهده في القنوات الفضائية أو أجهزة البلاكبيري والآيفون وغيرها من مقاطع انتحار فيحاكيها ويقلدها. وفي دراسة حديثة أجرتها أخيرا عضو جمعية حقوق الإنسان الدكتورة سلمى سيبيه كشفت أن 295 طفلا انتحروا في مختلف مناطق المملكة قبل نحو عدة سنوات بسبب التفكك الاجتماعي الذي تعاني منه بعض الأسر .