بالأمس فتحت «شمس» ملف الدولي المعتزل محمد الدعيع قائد المنتخب السعودي وفريق الهلال الأول لكرة القدم الذي أسهم رغم صغر سنه، وقلة خبرته، في تأهل المنتخب السعودي الأول لكرة القدم إلى كأس العالم لأول مرة في تاريخه بعد محاولات طويلة في الوصول إلى أكبر كرنفال دولي ولكن كانت محاولات الأخضر تنتهي بالفشل، إلى أن جاء جيل محمد الدعيع، وقهروا أعتى وأقوى المنتخبات الآسيوية وحجزوا تذكرة الطيران إلى أمريكا، حيث هناك سيقام كأس العالم 1994، وحينها كان لا حديث للشعب السعودي سوى مشاركة المنتخب الكروية، وكانت التطلعات والطموح لكل مواطن سعودي محدودة، فالتعادل أو الخسارة بأقل النتائج كانت أقصى الطموحات، ولكن فاجأ لاعبو الأخضر الجمهور السعودي والعالم أجمع بمقارعتهم لأقوى منتخبات أوروبا «هولندا»، وحينها وقف الدعيع وقفة الأسد في مرماه، وتحطمت على يديه تسديدات وقذائف كويمان، وأثار غضب واستفزاز الأسطورة بيركامب، وليس هذا فحسب بل أجبر الجماهير الهولندية والحاضرة في الملعب على التصفيق له كثيرا تقديرا وإعجابا بتألقه وتصديه الرائع للكرات الهولندية والتقطت الكاميرات التليفزيونية حينها لقطات لمشجعات هولنديات لم يمنعهن الانتماء الوطني من التصفيق للدعيع على تصديه لكرات بيركامب والدهشة على وجوههن. الملك فهد ينتشل الدعيع ويقول الخبراء إن مشكلة الحارس أنه ليس كالمهاجم، فالمهاجم قد يضيع فرصا ذهبية ولكن في آخر اللحظات يسجل هدفا، فينسى الجميع الفرص التي أضاعها ويتغنون بهدفه، ولكن الحارس قد ينقذ الفريق من أهداف محققة ولكن يخطئ في آخر اللحظات ويتسبب في هدف، فينسى الجميع الأهداف التي تصدى لها، ولا يتذكر سوى خطئه. وهذا ما عانى منه الدعيع حيث واجه حملة شرسة بعد الخسارة وانتقادات قاسية بعد أن تسبب حماسه في تسجيل هولندا هدف الفوز في الدقائق الأخيرة، وحملت الصحف السعودية حينها عناوين قاسية في حق الدعيع وتناسوا ما قدمه طوال المباراة ليدخل الدعيع بسبب تلك الانتقادات في حالة انكسار وإحباط، ولكن خبرة فقيد الرياضة السعودية الأمير الراحل فيصل بن فهد انتشلت الدعيع من الضغوط بحديثه معه أثناء التدريبات وفي الفندق، ليأتي الفرج الأكبر باتصال خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز والذي كان يتواصل هاتفيا مع البعثة السعودية ويتحدث مع مجموعة من اللاعبين من بينهم ماجد عبدالله، وقبل لقاء المغرب أتى دور المكالمة مع الحارس محمد الدعيع، ومنحه جرعة معنوية وكلمات أبوية جعلته يقدم أجمل مباريات العمر أمام المغرب وبلجيكا، حيث قال له: «أنت حارس عن 80 حارسا»، وطالبه بنسيان الخطأ الذي ارتكبه أمام هولندا وأشاد بمستواه وحفزه للظهور بمستوى مدهش أمام المغرب وبلجيكا، لاسيما أمام بلجيكا والتي أنهى فيها الدعيع الحياة الكروية للأسطورة البلجيكية شيفو، ولم يجد وقتها مدرب المنتخب البلجيكي بدا من أن يطلق تصريحا نقلته الصحف السعودية بتأكيده أنهم قابلوا حارسا عظيما سيكون له شأن في كرة القدم.. وتأهل الأخضر لدور ال 16 وخرج من أمام منتخب السويد واختير محمد الدعيع من ضمن أفضل حراس العالم في الأدوار التمهيدية لكأس العالم واحتل المركز الثالث، ليتم اختياره بعد انتهاء كأس العالم من ضمن أفضل عشرة حراس في البطولة وتلقى عروضا خارجية وقتها. مصدر رعب ومصدر أمان شارك الدعيع في مناسبات مختلفة بعد ذلك، منها مشاركته مع المنتخب السعودي في تحقيق كأس الخليج ومساهمته في فك العقدة الخليجية لازمت الأخضر منذ انطلاق الدورة، ولكن تعد المشاركة الأهم للدعيع هي مساهمته الكبيرة في تحقيق المنتخب كأس آسيا 1996، حيث شكل القوة الكبرى لمنتخبنا السعودي وساهم في صناعة الفارق ونقل المنتخب إلى النهائي لمواجهة منتخب الإمارات، ونجح الدعيع في حصد لقب أفضل حارس آسيوي في تلك الدورة وكان رئيس البعثة السعودية وقتها الرئيس العام لرعاية الشباب سابقا الأمير سلطان بن فهد قد أثنى على عطاء محمد الدعيع في تلك البطولة ووصفه بمصدر الرعب للمنتخبات ومصدر الأمان للمنتخب السعودي. نكتة عن براعة الدعيع وأسهمت تلك البطولة في أن يكون اسم الدعيع لزمة على كل لسان في المهتمين بالشأن الرياضي، فالجماهير عند اللعب في الحواري يرددون اسم الدعيع في مبارياتهم في تعبير مجازي للثناء والإشادة بأداء الحراس سواء كان في ناد أو من فرق الحواري. وتخطت لزمة الدعيع حاجز المحلية إلى الملاعب الخليجية والعربية واقتحمت المنازل والمجالس الشبابية إلى درجة إطلاق بعض الطرائف والنكت خفيفة الظل التي تستشهد ببراعته. وبدوره يعلق محمد الدعيع على البطولة الآسيوية بقوله: «رغم ما حققته قبل هذه البطولة من أرقام قياسية، ولكن تعد هذه البطولة بالنسبة لي هي المحطة الثقيلة والصعبة لأننا حققنا البطولة رغم خسارتنا بثلاثية في افتتاح الدورة من إيران، مما أدى إلى تشاؤم الشارع السعودي حينها، ولكن بوقفة الأمير فيصل بن فهد والأمير سلطان بن فهد تجاوزنا الصعاب وحققناها والحمد لله وفقت في أن يكون لي دور كبير في صناعة الفارق لوطني وليس هذا فحسب بل صنعت لي اسما صعبا في آسيا، وأعتبر نجاحي في التصدي للركلات الترجيحية في دور الأربعة والنهائي نقطة تحول للعالمية. الدعيع والتحدي يعد محمد الدعيع من أشهر الحراس في إعلان التحدي أمام المهاجمين، فعلى المستوى المحلي حيث أسهم عام 1997 من أن يصل بفريق الطائي إلى نهائي كأس ولي العهد، بعد أن كسب التحدي أمام فريق الشباب والأهلي وتحدى أحمد بهجة في عدم تسجيل هدف في النهائي وكسب التحدي ولكن خسر الطائي النهائي بعد أن قدم مباراة تاريخية وفي ذلك العام ضد الاتحاد أقوى الأندية السعودية حينها والذي كان يكتسح الأندية الكبرى بنتائج كبيرة، ورغم ضعف إمكانيات فريق الطائي الفنية إلا أن الدعيع كان يتفنن في التصدي لركلات الجزاء ويحرج زملائه في المنتخب مثل سامي الجابر ويوسف الثنيان وفهد المهلل وخالد التيماوي وغيرهم ممن كان الدعيع يستفزهم بتصديه لضرباتهم. الدعيع والقارات ما زالت مشاركة محمد الدعيع وتألقه في كأس القارات التي أقيمت في الرياض عام 1997 لاسيما أمام البرازيل عالقة في الأذهان خاصة أن المهتمين باليوتيوب لا يزالون يسترجعون مشاهدة لقطاته التي يبرع خلالها في التصدي للكرات حيث هتف 70 ألف متفرج باسم الدعيع الذي وقف ببراعة أمام الهجوم البرازيلي. وربما يخفى على البعض أن تلك المباراة التاريخية كاد اللاعب العالمي رونالدو يكون شاهدا على انتحار الدعيع الكروي، بعد أن أقدم مع صافرة انتهاء الشوط الأول على التصدي للكرة بطريقة استعراضية كادت تقضي على حياته، حينها هتفت الجماهير وصفقت، وتساءل من خلف الشاشات عن سر الهتاف، ولم يجد رونالدو بعد أن شاهد اللقطة عن قرب إلا التصفيق للدعيع مدهوشا.. بعد تلك المباراة أشاد مدرب المنتخب البرازيلي زاجالو بالدعيع في تصريحات صحفية. مانشستر يفاوض الدعيع وقبل انطلاقة مونديال 1998 والذي قدم فيه أخطبوط الحراسة السعودية مستويات مذهلة، شارك الدعيع في لقاء ودي بين المنتخب السعودي ونظيره الإنجليزي في ملعب ويملبي الشهير وأمام الآلاف وبحضور مسؤولي ونجوم ومدربي عدد من الأندية الإنجليزية للقاء التاريخي قدم الدعيع ملحمة كروية أدهش من خلالها الحضور، واستفز نجوم الإنجليز شيرون، ديفيد، رايت، سكولز، وغيرهم من الأسماء المميزة بعد أن وقف بالمرصاد لكراتهم. وكانت تلك المباراة بوابة عبور لاحتراف الدعيع في أعرق فرق العالم مانشستر يونايتد وتلقى فريق الطائي عرضا رسميا ولكن لم تتم الصفقة بسبب أنظمة اتحاد الكرة السعودي وقد لاقى الدعيع إشادات الصحف الإنجليزية. ولم يجد مدرب منتخب إنجلترا حرجا في القول إنهم لم يواجهوا منتخبا بل واجهوا حارسا شجاعا ومبدعا ورشحه للاحتراف في أندية الدوري الإنجليزي الكبرى ولم ينتظر مسؤولو مانشستر يونايتد هذا التصريح حيث أرسلوا خطابا برغبتهم الجادة في الاستفادة من خدمات محمد الدعيع وأرسلوا عرضا وحينها توقفت المفاوضات بسبب عدم السماح للاعب السعودي بالاحتراف، وقال قبل هذه المباراة مدرب منتخبنا البرازيلي كارلوس لبرتوا إنه وافق على تدريب المنتخب لأنه السعودي يملك حارسا عالميا، وبعد مباراة الإنجليز قال: نحن محظوظون بأن لدينا حارسا كالدعيع وسيتلقى عروضا من أندية عالمية .