إنها مدينة «طنجة» المغربية المطلة على المحيط الأطلسي والبحر المتوسط بكل ما حملته من أهمية تاريخية لهذا الموقع جغرافيا واقتصاديا. لكن لهذه المدينة اليوم طابع ووجه آخر يحمله طابعها الاجتماعي، وهو ما يقدمه فيلم «على الحافة» من خلال حكاية صادمة أبطالها أربع فتيات في العشرينيات من العمر هن «بديعة» و«إيمان» القادمتان إلى طنجة من الدارالبيضاء في محاولة للبحث عن فرصة للعمل والحصول على الرزق، و«نوال» و«أسماء» اللتان تعملان في مصنع للنسيج داخل المنطقة الحرة، وأيضا تتطلعان للخلاص من واقع الفقر والعوز واليأس بشتى السبل. يبدأ الفيلم بإلقاء القبض على الفتيات الأربعة، وبعدها ستروي بطلته «بديعة» الأحداث، حيث يعود بفلاش باك طويل لنرى الظروف التي دفعتهم إلى الإجرام، والعالم السفلي لمدينة طنجة في الليل، ف«بديعة» و«إيمان» فتاتان تعملان في مصنع للسمك في مدينة طنجة حيث تستغل اليد العاملة الصغيرة والفقيرة ضمن أجواء من الضغط النفسي نتيجة صعوبة وطول فترة العمل والمردود القليل الذي يدفعهما دائما للبحث عن العمل، حيث تقربان من بعضهما نتيجة تشابه الظروف وكل ذلك لإثبات ذاتهما، وتنضم إليهما «أسماء» و«نوال» من فتيات الطبقة الوسطى العاملة. تجتمع الفتيات الأربع على فكرة الخلاص، والإفلات من دائرة الفقر والعوز، ولو بالتحايل والكذب وممارسة السرقة عن طريق مرافقة شبان أثرياء في أماكن اللهو والسهر، ثم سرقة أشياء ثمينة من منازلهم، وصولا لممارسة سرقات كبيرة حتى يتم إلقاء القبض عليهن، وبتركيز إنساني على حالة الشخصيات. وفي المقابل يقدم الفيلم استعراضا بصريا لطبيعة مدينة «طنجة» المعمارية وأحيائها المهمشة في مقابل الطابع الاقتصادي للمدينة بمصانعها الكبيرة ومنطقتها الحرة، والاجتماعية لمواكبة الظروف الاجتماعية الضاغطة على السكان. يمزج الفيلم بين نمطي السينما الوثائقية والروائية، كونه التجربة الروائية الأولى لمخرجته وكاتبته «ليلى الكيلاني» التي بدأت مشوارها السينمائي بالأفلام الوثائقية وهي «طنجة حلم الحراقة 2002» و«أماكننا الممنوعة 2008»، وجاء هذا المزج عبر محاكاة الواقع لطنجة، بنقله حرفيا لإبراز التناقضات الاجتماعية التي تدفع إلى حافة اليأس، حيث يختلط في هذا الفيلم الجانب الاجتماعي بالأخلاقي، وتعود أحداث هذا الفيلم إلى وقائع حقيقية وقعت سنة 2005 عن عصابة نسائية كانت تتربص بالرجال في المقاهي وتسطو عليهم. وقد تميزت الرؤية الإخراجية للفيلم بتقنيات تصويره العالية حيث اللقطات الطويلة جدا في استعراض المدينة والصورة القريبة من الوجوه، وإحجام الكادرات المفتوحة لإبراز الانفعالات الشخصية للممثلين، وحركة الكاميرا السريعة المناسبة لطبيعة الفيلم. أمضت المخرجة قرابة سنة كاملة للتنقيب عن الممثلات الأربع اللواتي لعبن دور البطولة مستخدمة كل الوسائل من الإنترنت، وصولا إلى توزيع إعلانات في الشارع، كونها تبحث عن ممثلات غير محترفات. شارك الفيلم في مهرجان «كان» بدورته هذا العام في تظاهرة «نصف شهر المخرجين» وقد لقي استحسانا من النقاد والجمهور، ثم بمهرجان «الفيلم المستقل ببروكسل» حيث تتوج الفيلم بالجائزة الخاصة لجنة التحكيم، ولقي الأداء المبهر لبطلته الشابة «صوفيا عصامي» بشخصية «بديعة» إعجاب لجنة التحكيم التي منحتها جائزة أفضل ممثلة. كما اشترك الفيلم في مهرجان «أبوظبي» هذا العام، وحصل على دعم مشروع «سند» الذي يمنحه المهرجان.