شكلت قضية مكافحة المخدرات علاقة شائكة بين أمريكا ودول أمريكا اللاتينية ومعها المكسيك التي طالبت الأولى ألا تقتصر العلاقة معها على قضية المخدرات، وهو طلب لا يتجاوز ما أكدته واشنطن مرارا على ضرورة المراهنة على الاستثمارات بعيدة المدى في التعليم والتنمية في دول أمريكا اللاتينية إلى جانب محاربة المخدرات؛ لأن هذا هو السبيل الوحيد للتعامل مع جذور المشكلة التي تتمثل في الظلم الاجتماعي وقلة الفرص. ولكن التحديات التي تعترض ذلك تبدو هائلة. ولا تدع البيانات المجردة عن المخدرات، 40 ألف قتيل في الحرب على هذه التجارة في المكسيك، خيارا آخر أمام أمريكا غير دعم الحرب على المنظمات التي تديرها، تلك المنظمات التي أصبحت تنشط بشكل دولي وأصبحت تتورط في أنشطة إجرامية أخرى مثل تجارة البشر. وقال مفوض وزارة الخارجية الأمريكية لمكافحة المخدرات، ويليام براونفيلد، أخيرا وبصراحة «قلت عام 2007 إن التهديد الأكبر أصبح يأتي من المكسيك، ولكني أعتقد اليوم أن التهديد الأكبر أصبح يأتي من أمريكا الوسطى»، وهو المكان الذي يروج منه ما يصل إلى 95 % من الكوكايين المتدفق إلى أمريكا، وهذا أمر يهدد الحكومات نفسها حسب براونفيلد. إذ الوضع صعب، فحدود المكسيك مع أمريكا تزيد على ثلاثة آلاف كيلومتر، وأمريكا الوسطى هي بؤرة توزيع المخدرات، بالإضافة إلى أن بعض دول أمريكا الجنوبية تعتبر المنتج الرئيس للمخدرات التي تصل أمريكا أو محطة مرور غير شرعية لهذه المخدرات. وتمر سياسة واشنطن المضادة للمخدرات في أمريكا اللاتينية بأزمة، فنجاحها في مكافحة المخدرات في بلد ما ينقل المشكلة إلى بلدان أخرى، كما حدث في كولومبيا و«خطة كولومبيا» التي دعمتها أمريكا عام 1999، حيث تحققت عدة إنجازات ضد عصابات المخدرات في كولومبيا ولكن المشكلة تفاقمت في المكسيك. كما حركت الحرب التي أعلنها الرئيس المكسيكي فيليب كالديرون على المخدرات وعصاباتها موجة من العنف لم تخف وطأتها بعد، بل توشك أن تنتقل إلى الجانب الشمالي من الحدود. أعلن أوباما كثيرا أنه يدعم كالديرون في هذه الحرب، وأعيدت صياغة «مبادرة ميريدا» الأمريكية التي أطلقت عام 2007 حتى لا يقتصر هذا الدعم على الجانب المادي فقط، بل يتجاوزه إلى المساعدة في تدريب قوات أمن مكسيكية. وقوبل إيمان حكومة أوباما بمبدأ «توزيع المسؤولية» برضا كبير في أمريكا اللاتينية. ويقوم المبدأ على ضرورة أن تتحمل أمريكا نصيبها في مكافحة المخدرات بصفتها المستهلك الأكبر لها، أي أن عليها أن تشارك في مواجهة المخدرات ومكافحة تعاطيها في أمريكا نفسها. ولكن الكثير من الخبراء المعنيين يرون أن ذلك ليس كافيا، فهناك دراسة نشرت في سبتمبر الماضي تؤكد استمرار تزايد الطلب على الهيروين والبانجو والمخدرات المركبة. وتمثل تجارة الأسلحة إحدى القضايا الشائكة للولايات المتحدة أيضا بصفتها أكبر منتج للأسلحة التي يستعملها بارونات المخدرات في إرهاب المكسيك. وأكد المفوض الأمريكي لمكافحة المخدرات، براونفيلد، أخيرا أن بلاده لن تتخلى عن جيرانها الجنوبيين في مكافحة تجارة المخدرات، وقال «لقد دخلنا معا الحرب على المخدرات وعلينا أن نخرج معا». غير أنه يبدو أن الطريق إلى تحقيق إنجازات حقيقية ضد المخدرات لا يزال بعيدا. وكان الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون أعلن الحرب على المخدرات في 17 يونيو 1971، وبحسب أرقام وزارة العدل فقد بلغت تكاليف هذه الحرب نحو تريليون دولار «ألف مليار» وتم إيقاف أكثر من 900 ألف شخص بسبب الاستهلاك أو الاتجار بالمخدرات. ومن المتوقع أن يتم هذا العام تحطيم الرقم القياسي المسجل في عام 2009 الذي اعتقلت خلاله الشرطة الأمريكية نحو 1،5 مليون شخص لنفس التهم. في أمريكا، يتم سنويا اعتقال نحو 600 ألف شخص لامتلاكهم الحشيش أو القنب ونحو مليون شخص بسبب المخدرات. ويقضي نحو ربع نزلاء السجون الأمريكية عقوبة السجن بسبب جرائم لها علاقة بالمخدرات بما في ذلك الحيازة أو المتاجرة .