ربما لم يخطر ببال الصبي الذي خرج من إحدى حواري حي الهنداوية بمكة المكرمة، وهو يشبّه آنذاك بالاتحادي القصير جبرتي الشمراني من فرط الحركة وسرعة اللعب، أنه سيكون من الأرقام المثيرة للانتباه في عالم كرة القدم السعودية. من فريق حواري يعرفه المكاويون عبر اسم الشاطئ، انطلق سهم المهاجم الدولي ناصر الشمراني «27عاما»، وكان يحلم آنذاك أن يلعب لواحد من ثلاثة أندية كبرى، هي الاتحاد والنصر والشباب، وفقا لإفادة الزميل محمد السهيمي، الذي تربط باللاعب صلة قرابة. لم يجد ناصر مساحة لأحلامه آنذاك، وانضم في موسم 2003/2004 إلى الوحدة، الذي يمثل مدينته، ولم يخرج من أول موسم بما يثيره الانتباه إلى اسم يمكن صناعة معادلة أرقام في غاية الصعوبة لاحقا. لم يسجل الشمراني في ذلك الموسم، سوى هدف يتيم في الدوري من 9 مباريات، بالإضافة إلى هدفين في كأس فيصل. وبالطبع، لا يمكن أن تثير ثلاثة أهداف انتباه أحد آنذاك، إذ يجري التعليق المعتاد على الألسن: «لاعب يقول يا هادي». حصيلة ال112 هدفا عمر الشمراني في دوري الأضواء أكمل 8 مواسم، وبدأ لتوه الموسم التاسع. وخلال هذا الوقت غير الطويل نسبيا بالنسبة إلى التعمير في ملاعب الكرة محليا وعالميا، استطاع ناصر أن يحرز مجموع 112 هدفا رسميا في مختلف المسابقات المحلية والقارية، منها 25 هدفا لصالح الوحدة، والبقية لمصلحة فريقه الحالي الشباب. أحرز ناصر خلال المواسم الثمانية بالإضافة إلى بدايات موسمه التاسع، 81 هدفا في الدوري منها 7 أهداف بالرأس في الموسمين الأخيرين، و10 أهداف في مسابقة كأس خادم الحرمين للأبطال، و5 أهداف في مسابقة كأس ولي العهد، و5 أهداف أيضا في مسابقة كأس الأمير فيصل بن فهد، بالإضافة إلى 11 هدفا في دوري أبطال آسيا. هذا التصاعد الرقمي الذي أظهره ناصر الشمراني خلال تلك المواسم، وتلك الحقبة الكروية غير الطويلة، انعكس على إحرازه لقب هداف الدوري ثلاث مرات «2008، 2009، 2011»، وهو أقرب رقم لما حققه المهاجم التاريخي ماجد عبدالله، عبر 6 أرقام هداف. ماجد الذي خاض نحو 20 موسما كرويا مع النصر، أحرز رسميا 259 هدفا لناديه، منها 189 هدفا في الدوري. أي محاولات لوضع نسبة وتناسب بين أهداف ناصر في 8 مواسم وأهداف النجم المعتزل في ذلك العمر «الماجد»، تشير إلى أن هناك إمكانية لصناعة مجد «رقمي» لصالح ناصر الشمراني، إذا واصل هذا اللاعب اجتهاده من أجل هدف، يجعله يستمر في السير في ظل ماجد.. إلا أن هناك فرقا عظيما سيستمر حتما، إنها فوارق الشهرة والأضواء، إذ بات من قدر ناصر تحقيق ما يحققه مع نادٍ له هالته وأهميته، لكنه لا يزال من المبتعدين عن اكتساب الجماهيرية العريضة والاستقطاب الإعلامي، كما ينبغي. ولعله ليس من ذنب لاعب بهذه الأرقام، أنه تظلمه تلك الفوارق «الضوئية»، مهما عظمت! الفارق الأهم مع المنتخب، لم يحضر ناصر مناسباتيا وتهديفيا، كما فعل مع الناديين اللذين لعب بشعارهما. وحتى تاريخه، لم يتمكن الشمراني من فرض اسمه على الأسماء التدريبية، التي تولت المنتخب خلال المواسم الثمانية لظهور اللاعب، حتى إن المدرب ناصر الجوهر استبعده من التصفيات المؤهلة لكأس آسيا الأخيرة. كان الشمراني دبلوماسيا حينذاك، لما اضطر أن يصف ما حدث بأنه أمر عادي، وأن «الجوهر في مقام والده». ولعل المنتخب اليوم يترقب مصيرا محددا، من خلال مواجهة مفصلية أمام تايلاند في بانكوك، والشمراني من العناصر التي يعوَّل عليها من خلال مركز ثابت في قلب الهجوم. إنه الفارق الأهم بالنسبة إلى ناصر الشمراني، حتى يثبت أنه يمكن أن يمضي في أهم «رحلة أرقام»، حتى يصل إلى ما بعد المنتصف قليلا، حين يتذكر الجمهور السعودي قامات هجومية سابقة، بحجم ماجد عبدالله وآخرين. أهداف الشمراني الدولية المحتسبة، لا تتجاوز الأهداف الستة المسجلة باسمه، بعد هدفه في مرمى أستراليا في السادس من سبتمبر الماضي. ذلك الهدف جعله يصعد 7 مراتب في ترتيب قائمة هدافي العالم، ليحتل المركز 50 بين 68 لاعبا على مستوى العالم. الأهداف الستة لا تكفي اجتهادات لاعب مثل ناصر، ولا تجعله من المنافسين دوليا، إذ يحتاج للمزيد من الجهد دوليا في إطار المشاركات المنتخبية، والبداية من بانكوك اليوم، حتى يثبت شيئا يفيده على الصعيد الشخصي. سبق أن عانى الشمراني من إصابة الرباط الصليبي «قطعا»، اضطر معها لإجراء جراحة في 24 يناير 2010، ليبتعد بضعة أشهر عن الملاعب. اللاعب المشهود له بالجدية في ترتيب حياته كلاعب وكشاب، وفق ما تربى عليه في بيته، تمكن أن يتجاوز تلك الإشكالية، التي تهدد أي لاعب، إذ لم تؤثر على مسيرته كهداف، فقط غيبته عن لقب الهداف في ذلك الموسم، الذي كان اللقب من نصيب لاعب الوسط الهلالي محمد الشلهوب. وحتما، لولا الإصابة لكان من نصيب اللاعب اللقب الرابع ك«هداف» .