عندما غادر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن مقر إقامته في البيت الأبيض قبل خمسة أيام من تسليمه المهمة إلى خليفته الديموقراطي باراك أوباما، منتصف يناير عام 2009، ألقى بعبء تحسين صورة حكمه على ذمة التاريخ. واختتم فترة رئاسته، التي استمرت ثمانية أعوام ووصلت خلالها شعبيته إلى أدنى مستوى سجلته شعبية أي رئيس أمريكي آخر، بعدة كلمات في خطاب عبر التليفزيون وجهه إلى الشعب الأمريكي هي: «سأترك تقييم فترة رئاستي للتاريخ. وأيا كان الحكم، فإنني لن أكون موجودا حينها لأسمعه». وبعد عام واحد من خروجه من البيت الأبيض، جاء حكم التاريخ سريعا على عكس ما يشتهي. فقد أكد استطلاع للرأي أجراه معهد سيينا الأمريكي شارك فيه 832 من الباحثين في شؤون الرئاسة أن بوش الابن من بين أسوأ الرؤساء الأمريكيين ال44 الذين حكموا البلاد، حيث وضعوه في المركز ال40. وأوضحت نتائج الدراسة أن الباحثين لم يجدوا في حكم بوش الحسنات الكافية التي يمكن أن تخفف من حدة سوء إدارته للسياسة الخارجية، وسوء إدارته للاقتصاد إضافة إلى توسيع صلاحيات الأمن وتحديدا المخابرات على حساب القانون. وأوضحت النتائج التي نشرتها صحيفة «الجارديان» البريطانية أنه لم يتفوق على بوش الابن في سوء الحكم سوى أربعة رؤساء سابقين هم جيمس بوكانان ووارين هاردينج وأندرو جونسون وفرانكلين بيرس. ومنذ مغادرته البيت الأبيض، وبوش الابن الذي حدثت في عهد رئاسته هجمات 11 سبتمبر يقضي معظم الوقت داخل مزرعته في منطقة كروفورد بولاية تكساس مع زوجته لورا. وذلك على عكس بقية الرؤساء السابقين الذين كانوا عادة ما ان يتركوا مقعد الرئاسة حتى تتخاطفهم مراكز الأبحاث والجامعات حول العالم لإلقاء المحاضرات والخطب لما يحملونه من أسرار ومعلومات مقابل أموال طائلة. ولكن الحقيقة أن بوش الابن ترك المنصب وهو يعاني من تدني شعبيته بصورة لا يضارعه فيها أي رئيس أمريكي في التاريخ المعاصر. وبالتالي بات من الصعب على أي مسؤول أكاديمي المخاطرة باستضافته ودفع مقابل لمحاضراته. والوقت الذي لا يقضيه في مزرعته، يكون موجودا فيه بمنزله الجديد المؤلف من طابق واحد في حي بريستون هولو الراقي شمال غربي مدينة دالاس. وهو مكون من أربع حجرات مبنية بالطوب منذ عام 1959، ومحاط ببوابات أمنية متينة وافق الزوجان بوش على دفع ثمنها. وأقيمت نقطة تفتيش للشرطة لمنع المتطفلين ونصبت بعض اللافتات الترحيبية مرحبا بكم في المنزل. وهذه المنطقة قريبة من المكان الذي عاش فيه بوش قبل أن يصبح حاكما لولاية تكساس عام 1994، ويسهل الوصول منها إلى مركز بريستون الذي يملك بوش فيه مكتبا مؤقتا للتخطيط وجمع الأموال لمكتبته الرئاسية. وقد بلغت سخرية الأمريكيين من بوش الابن أن تقدم إليه رئيس أحد المحال التجارية الشهيرة في دالاس بعرض للعمل معه موظفا للاستقبال، حيث خاطبه في إعلان نشره بالصحف المحلية قائلا: «نحن واثقون من أن شخصا بخبرتك في العمل في شركة عائلتك بالإضافة إلى مهاراتك الإنسانية التي طورتها خلال أعوام من الاجتماع بشخصيات أجنبية، ستجعلك مرشحا ممتازا للمنصب. والكثير من موظفي الترحيب لدينا هم مثلك متقاعدون من دنيا الشركات. ولذلك فإننا متأكدون من أنك لن تجد صعوبة في تكوين صداقات جديدة». وعندما فرغ بوش من كتابة مذكراته عن أعوامه الثمانية في البيت الأبيض بعنوان «نقاط اتخاذ القرار»، فقد فشل في الحصول على عقد لنشر الكتاب إلا بعد فترة طويلة، مع أن غيره من الرؤساء السابقين وكبار المسؤولين كانوا يبرمون العقود بملايين الدولارات مقابل نشر جانب من مذكراتهم.