التقارير السرية التي تعتزم هيئة التحقيق والرقابة رفعها إلى الوزارات حول تغيب مسؤوليها عن أعمالهم في فترة العيد أمر جيد من الناحية الإدارية، لكن هناك حاجة إلى رفع السرية عن العديد من القضايا التي سبق للهيئة التحقيق فيها، فالسرية المفروضة خاصة على القضايا التي أغلقت ملفاتها من حق الرأي العام الاطلاع عليها، على اعتبار أن مثل هذه المعلومات حق مشاع، ولأنها تمس حياة المواطنين في مختلف جوانب الحياة، إضافة إلى أن كثيرا منها لا تشكل النتائج التي تم التوصل إليها خطرا من النواحي الأمنية. عمل هيئة التحقيق والرقابة محل تقدير، لكن أن يظل حبيسا للسرية أمر فيه تغييب للرأي العام، الذي هو معني بمختلف الجهات الحكومية في البلاد، كما أن النتائج التي يتم التوصل إليها شيء مهم لفهم مختلف الفترات التي مرت بها الإدارات الحكومية في زمن القضايا المنظورة. رفع السرية من شأنه أن يعزز الرقابة في مختلف الجهات الحكومية، وأن يشعر المواطن أن هناك جهودا حثيثة لمكافحة لمختلف أوجه الفساد، إلى جانب أن رفع السرية سيدفع باتجاه تنامي الرقابة الذاتية في الجهات، ويزيد من الإجراءات المتخذة لكبح أي محاولات من شأنها أن تقود إلى الفساد، حتى إن كان المقصود من ورائها أمور لا تمت إلى الفساد بصلة. الوصول إلى تحجيم الفساد بمختلف أشكاله لن يتم إذا ما بقي الإصرار على أن يظل حبيس الجدران، والتجارب العالمية الرائدة في هذا الشأن قطعت الخيار بأن تشرك مختلف الفعاليات المجتمعية في الحرب عليه، وأن الرقابة والمتابعة ليست مسؤولية الأجهزة الحكومية وحدها، فدخول شركاء متنوعين في المسألة سيضع مزيدا من الضوابط التي تجعل المحاسبة مطلبا عاما لا يمكن الالتفاف عليه.