هناك قول مأثور للسياسي البريطاني ونستن تشرشل وهو «حينما نعيد تشكيل محيطنا نعيد بالأحرى تشكيل نفوسنا» للتدليل على تأثير البناء وما حوله على نفسية الإنسان وصحته. وفي بحث فريد أجرته المهندسة الألمانية روتراوت فالدن لمدة 15 عاما أجرت فيه دراسة على المستشفيات والعيادات الطبية في ألمانيا وتوصلت إلى أن مبانيها لا تساعد على الراحة النفسية للمريض، فأرضياتها رمادية تنبعث منها روائح المطهرات ودهاليزها طويلة على جانبيها غرف الأطباء والمرضى وليس هناك إضاءة طبيعية كافية. كما أن مداخل المستشفيات تبعث على الخوف وعدم الطمأنينة. أتساءل ترى لو قدر لهذه الباحثة أن تزور مستشفى يتبع لقطاع حكومي كنت أراجعه ولا أزال لعلاج ابني في العاصمة، سوف تصدم من هول ما تراه، سواء من ناحية الموقع الذي تحيط به شبكة طرق مزدحمة وملوثة، أو من ناحية تخطيط المباني ونوعيتها، أو توزيع العيادات العشوائي الذي يزيد المرضى مرضا وهم يتخبطون بحثا عن عيادات أطبائهم، وهذا ما حدث لي شخصيا. بل والأدهى أن الطبيب الذي يتابع حالة ابني وهو إخصائي قلب طلب مني الاحتفاظ ببعض الأوراق لإحضارها في الموعد القادم لأنه لا يضمن نظام الملفات في المستشفى! لا آتي بجديد إذا قلت إن كثيرا من مشاكل ومتاعب المواطنين والمقيمين مع الدوائر الخدمية تأتي من المركزية وعدم توزيع الخدمات وإجبار من يحتاج إليها إلى السفر للعاصمة أو إحدى المدن الكبرى لطلبها. أعود إلى الألمان، هذا الشعب العجيب، فقد شكل نحو 20 مهندسا ألمانيا نقابة متخصصة في مجال «الهندسة المعمارية النفسية» وذلك منذ نحو عقدين وتتركز أبحاثهم على التأثير النفسي والصحي لمباني المستشفيات والعيادات من ناحية الموقع وتخطيط المبنى وسهولة وصول المرضى إلى العيادات والأقسام والإضاءة الطبيعية والتهوية وكل ما يضمن راحة المريض داخل المبنى. ويطالب هؤلاء الباحثون جميعا بإعادة النظر في تخطيط وهندسة مباني المستشفيات لتأثيرها المباشر في صحة الإنسان. مع ذلك أنظر بكل احترام لعبقرية هذا الشعب، وأتذكر وضع المستشفى الكبير السالف الذكر وأقول في نفسي ولو العتب على الألمان!