قبل خمسة أعوام تقريبا، تعرفت على أحد الأصدقاء المتعصبين لنادي برشلونة ويحفظ تاريخه وإنجازاته بالتفصيل، ومتابع جيد لبعض المنتخبات الأجنبية وتاريخها، لكن لا يعرف عن الدوري السعودي أي شيء، ولا يتابع مبارياته إلا عندما تفرضها عليه الصدفة، أما منتخبنا فهو كذلك يتابعه من بعيد ولا يتحمس معه كثيرا، استنكرت في البداية مثل هذه النزعة وتوقعتها فردية شاذة لا يمكن القياس عليها، وحاولت أن أعرف الأسباب التي قادته لمثل هذا الخيار، فلم يكن جوابه سوى أن الدوري السعودي لا توجد به كرة قدم حقيقية تستحق المتابعة والاهتمام، قلت ربما هو الغرور، فمن يعشق برشلونة من الصعب عليه أن يقبل طريقتنا التقليدية التي حفظنا أسلوبها منذ قرابة الثلاثة عقود دون أي تغيير وتطوير. أما خلال الخمسة أعوام وحتى فترة قريبة، تأكدت أن صديقي ليس حالة شاذة، حيث وجدت آخرين تستهويهم كرة القدم الأوروبية، ويحفظون تاريخ الأندية التي يشجعونها ويتابعون أخبارها بشغف، وفي الوقت نفسه غالبيتهم لا يتابعون الدوري السعودي بتاتا، والقليل منهم تابعوه في سن صغيرة، ومن ثم تجاهلوه لفوارق وجدوها هناك ولم يروا بعضها هنا، وبعد ثورة النقل الفضائي لمختلف المسابقات الأوروبية، فهم يتابعون هناك كرة قدم حقيقية تكتيكية بحتة، يرون تنافسا فنيا بين اللاعبين والأجهزة الفنية، تنافس فيه إثارة واحتراف حقيقي في كل الجوانب، حتى الاستثمار تشربوه من منافساتهم وفكرهم، وضحكوا عليه عندنا عندما بدأنا نستثمر الأندية ب «شماغ» ونقسم عليهم أرباح النقل التليفزيوني دونما أن يكون لهم الحق في بيع وشراء حقوق النقل واستثمارها بشكل يزيد من دخلهم المادي. كل تلك الفوارق الفنية والتقنية والاستثمارية، جعلت البعض يشعر أننا نتخلف عن الركب التطويري المتسارع في كرة القدم، فحتى على مستوى النتائج الخارجية للأندية ونتائج المنتخب، تراجعنا بشكل مخيف جعل هؤلاء «القلة» يشدون الرحال لمتابعة رياضة أكثر تطورا وتقدما، ف «الصدمة الحضارية» التي ذهلتهم هناك رفعت من مستوى نظرتهم وتقييمهم، وقد يشهد المستقبل تزايد أمثالهم في ظل التراجع السريع المصحوب بخطوات تصحيح متخوفة أكثر من اللازم.