كاتبكم يسطر لكم هذا المقال بعد أن قتله الملل في صالة الانتظار لمحطة تحلية المياه في إحدى المناطق السياحية، وذلك بعد أن تحطمت كل آماله وطموحاته في الحصول على صهريج ماء دون «لف» أو«دوران» في مكان تجد فيه السوق السوداء البيئة الأفضل لازدهارها وانتعاشها دون مضايقة من أحد. ولأن «مصائب قوم عند قوم فوائد» فإن ثلة ممن يؤمنون كثيرا بالجزء الثاني من هذه الحكمة ترابط بانتظام منقطع النظير في مدخل ذلك المكان مع شروق كل شمس؛ ليعرضوا خدماتهم المميزة على «العطشانين» حين يبيعون لهم ورقة تحوي رقما أكثر قربا من غيره بمبلغ 200 ريال. أما في حال رفضك العرض السابق، فإن الخيار الآخر هو أن تقف في طابور ستجد فيه كل أصدقائك وأحبابك ومعارفك وزملائك العطشانين، ممن جفت حلوقهم ويبست شفاههم في طابور لن تتمكن من مشاهدة آخره مهما بلغت قدراتك البصرية. وإن كنت عزيزي القارئ، تظن أن حصولك على الرقم السابق يقربك من صهريج المياه فأنت مخطئ للغاية؛ ذلك أن الرقم السابق يخول لك فقط الدخول في منافسة من أجل الحصول على كوبون آخر برقم جديد، لن تمتلك عند مشاهدتك عدد خاناته إلا استحضار كل المفردات المناسبة لمثل ذلك الحدث. ويؤسفني القول إنك ستنتظر بعد ذلك مع جمع غفير من العطشانين لمدة قد تصل إلى أربعة أيام، هي المدة الكافية لانتقال العطشان إلى الحياة البرزخية، حتى يكتحل ناظراك برؤية «صهريج» أحلامك ومنتهى طموحاتك في ذلك المكان. وفي حال ألهمك الله صبر «أيوب» واستطعت أن تواصل حتى نهاية هذا الكفاح من أجل الحصول على قطرة ماء، فإنه من الواجب عليك التودد الكامل لسائق الصهريج ومراعاة لحالته المزاجية وتلبية لأوامره المالية، أما في حال عدم اتباعك النصيحة السابقة فإنه من الممكن جدا أن يتغير مسار الرحلة إلى أقرب زبون مطيع. ولأن الصهريج الذي حصلت عليه بعرق جيبك وجبينك، وبدم قلبك وبدقائق وقتك الثمين سيكون هدفا واضحا لعيون العطشانين، فإنه من الضروري جدا أن تستعيذ بالله من شر حاسد إذا حسد، ثم أن تنفث على صهريجك ما استطعت إلى ذلك سبيلا.