يقال إن مكة تنادي من تشتاق إليه. هكذا كانت ولا زالت تقول أمي، فارتبط مفهوم رؤيتي للكعبة باشتياقها ورضا ربي، فتمنيت أن أراها ليرضى عني ربي ولأن الرحلات كانت مزدحمة على الرغم من أن التخفيض من قيمة التذاكر لا يشمل سوى الطلاب والموظفين ولا يشمل العاطلين. هل لأنها ستصرف لهم مكافآت قيدت بشروط لا تتوافر إلا فيما ندر أم لأنهم عاطلون أو لعلهم حذفوا من قائمة أفراد المجتمع ولا حاجة لهم بالسفر! ازدحام الرحلات وضيق وقت الإجازة مع اقتراب رمضان أجبرنا على الذهاب إلى مكة بالسيارة قاطعين 1800 كم برا. وبذلك سنحت لي الفرصة الذهبية للتعرف على ربوع بلادي ومع حلول الصيف وازدهار السياحة مررت بعدة مدن ومناطق وبشوارع مختلفة أظن أن وزير النقل لم يرها سوى في الخريطة. أحد الطرق التي سلكناها كانت الرمال وعملية التصحر التي تشهدها البلاد غطت نصف الشارع واستمرت السيارات تسير في مساحة ضيقة لا تتجاوز المترين. أما بعض الطرق فاختفت فيها محطات الوقود واستراحات المسافرين فماتت فيها الحياة وأصبحت مناطق مقطوعة عليك أن تحملق بعينيك وتنصب ظهرك وتحبس أنفاسك وأنت تسير هناك تأهبا للمفاجآت. أما بعضها الآخر وعلى الرغم من وجود محطات إلا أنني تمنيت أنها لم توجد فحالتها يرثى لها. مساجد مهجورة سوى من الغبار والحشرات وسجاد بال لا يليق بمدخل أي مكان كان. فكيف بمصلى للمسافرين يمر به الناس من مختلف البلدان! ما عدا المفتشين والمسؤولين في البلديات ووزارة النقل هم وحدهم لم يتشرف بهم المكان فلو حظيت هذه الأمكان بزيارة واحدة فقط لتغيرت حالها. هذا الواقع المر جعلنا نستريح في المدن حين نتعب من عناء السفر ومن الآن أقول لكم لا تستريحوا أبدا. قيمة الفنادق والشقق كانت مرتفعة على بساطة إمكانات الأماكن التي زرناها وعدد الساعات التي قضيناها والسبب بكل تأكيد عدم وجود لجان متخصصة لضبط أمبير الأسعار وعذر أصحاب هذه الفنادق أن هذا هو موسمهم أي موسم حصاد تعب واستنزاف مواطن ضاقت به الأرض بما رحبت فقرر ببساطة أن يأخذ إجازة محدودة وأن يشارك في مهرجانات السياحة التي تزاحمت بها محطات التلفاز بعد أن تحدثت عن أساليب الراحة والرفاهية والمتعة الحقيقية وصدقا كانت متعة، خصوصا أن كاميرات ساهر صورتنا 3 مرات لتوثق زيارتنا وشكرنا للمساهمة في استمرار مشروع «سارق».