اليوم دعوني أقلب الطاولة على أخي «عبدالعزيز» على الأقل الذي ما ينفك عن دعوتي لنزع نظارتي السوداء التي يعزو لها سبب كتابة مقالاتي بلون غامق، ثم يدعوني في الوقت ذاته لاستبدالها بأخرى صافية لرؤية المشهد كما هو، قبل أن يكرر جملته المعهودة «ففي الدنيا ما يستحق التأمل والابتهاج» جرى كل ما سبق ونحن في الطريق إلى المطار الذي أصبح، من سوء حظه أو من حسنه، المحك الأول لتقييم نظرية النظارة السوداء! ورغم أننا وصلنا إلى هناك قبل موعد الحضور بأكثر من ربع ساعة إلا أن آثار الارتباك والريبة كانت بادية على محياه؛ خوفا من تأجيل أو إلغاء محتمل لرحلته المؤكدة تلك وحينها سيصبح مضطرا لارتداء النظارة السوداء، ثم المفاضلة بين أن أقوم بإيصاله إلى «محطة القطار» أو إلى «محطة النقل الجماعي»! في صالة المطار كان يردد على مسمعي «كن جميلا تر الوجود جميلا» ثم يشير وهو محق في ذلك إلى اللوحات التي تنتشر في أرجاء المطار للتذكير بالغرامات المالية التي ستطبق على كل «مدخن» هناك، ثم يأتي ذات التحذير عبر مكبرات الصوت بالعربية والإنجليزية، في خطوة تؤكد أن مسؤولي الطيران المدني جادون في تطبيق قرار منع التدخين في المطارات بشكل صارم، وللأمانة ودون نظارتي الشمسية، فلم أر «مدخنا» واحدا طيلة فترة جلوسنا هناك، مما يؤكد صحة نظرية أخي العزيز ومما يؤكد أيضا أن التطبيق الفعلي للعقوبات هو الطريق الأقصر لاختفاء الممارسات السلبية! يشير لي «عبدالعزيز» مرة أخرى إلى «ركن القراءة» وهو الخدمة الرائعة التي تقدمها مكتبة الملك عبدالعزيز ضمن برنامج «سافر مع القراءة» لإعادة الصلة بين القارئ والكتاب التي تمكن المسافر من اختيار كتاب من ضمن سلسلة عناوين اختيرت بعناية لاستغلال وقت انتظار المسافر في المطار، وبالتأكيد فقد تمعنت كل ما سبق دون نظارتي السوداء! ودعت «عبدالعزيز» عند بوابة المسافرين؛ ليخوض بعد ذلك تجربة أخرى مع شركة الطيران لا أعلم إن كانت نظريته ستصمد معها أم أنه سيكون بحاجة لارتداء نظارات بكل ألوان الطيف لتجاوزها!