يحدث أن يتكرر في الجامعة - مرارا وتكرارا – مشهد الطالبة التي تاهت في غياهب المادة، واستنطقها سؤال محير ما لأفدح ما قد ينطق به لسانها، لتكون أضحوكةش الطالبات في ذلك اليوم، فقط.. لأنها نادت الدكتورة «بأستاذة»، وكأنها نسفت كل جهودها العلمية والتربوية، وحطت من قدرها، بل ونالت من قدسية العلم الذي تحمل في تلك الدال. الحالة الهستيرية التي تجتاح الدكتورة آنذاك، لا يمكن تفسيرها إلا بأنها صورة ل«وسواس العظمة»، والذي لا يجعل صورتها في أعين الطالبات سوى أنها حالة أكثر إثارة للضحك والاستياء من تلك الطالبة المغلوب على أمرها. في مثل ذلك المشهد – وغيره كثير- تتجلى بوضوح صورة العالم الجاهل، الذي نال من المعلومات أوفرها حتى غزا بها خلايا، وكان عن استيعاب مقاصد طلب ذلك العلم ومكانته أبعد ما يكون. ولعل الأكثر مرارة فيما يشابه تلك الحالة، أن تكون الطالبة على درجة من الثقافة والاطلاع، تؤهلها للجلوس مكان تلك المحاضرة، ولو أن الفرصة أتيحت لها – لولا الأدب - لأفحمت المحاضرة بما يعرفها حقيقة موقعها من الإعراب. من المؤسف أن ترى مثل تلك المشاهد مألوفة في جامعاتنا، وهي أرقى ما نملك من معاقل للعلم، ومن المؤسف أيضا أن نرى ما يلجأ إليه بعض طلابنا من «الترفيع» في دكاترتهم لكسب ودهم الذي لا يترجم إلا بالدرجات، فالكل يشهد بما تذروه الرياح من التأكيد على نفي المحاباة والظلم وغيرهما مع نهاية العام. متى ما دخل العجب قلب المرء أعمى بصيرته، فكان كمن ينظر إلى نفسه بعدسة مكبرة، والناس يرون واقع حجمه، و«رب أشعث أغبر...»!