النتائج الغزيرة والمتباينة التي يسفر عنها محرك البحث «جوجل»، تظهر حدة الجدل الذي تثيره كلمة «الاختلاط» في أوساط المجتمع السعودي بكافة ميوله وانتماءاته وشرائحه المنقسمة بين مؤيد ومعارض، أو واقف في منطقة وسطى، مشترطا بعض الإجراءات لينضم إلى المؤيدين أو متخوفا من بعض المحاذير ليصطف إلى جانب المعارضين. ولا تلبث هذه القضية أن تعود إلى طاولة النقاش حين تبرز واقعة كبرى على سطح الأحداث فتندفع وسائل الإعلام إلى تغطية الحدث بخلفياته الفكرية والاجتماعية، وقد تتفاعل جهات غربية يثير تدخلها الشك في نفوس أفراد المجتمع الذي ترى شريحة واسعة منه أن علماء الأمة أكثر الناس قدرة على حسم هذا الموضوع من واقع معرفتهم بما يصلح للبلاد وما يضرها. في خطبة الجمعة التي ألقاها في جامع الإمام تركي بن عبدالله «الجامع الكبير»، وسط العاصمة الرياض، وصف الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، المفتي العام للمملكة، دعاة الاختلاط بأنهم «دعاة سوء وفتنة»، مطالبا النساء بعدم الالتفات إلى «هذه الدعوات الجوفاء»: «فما تعيشه المرأة في شريعة الإسلام وفي هذا البلد من احترام وإكرام وعمل يليق بها من حشمة وعفاف فهو بلد يعلم أن دعاة تحرير المرأة دعاة سوء وفساد ودعاة شر وضلال وانحراف عن منهج الله المستقيم، يريدون أن يجردوا فتياتنا من كل قيمة وكل خلق فضيل، ويريدون أن يصبغوهن صبغة غير إسلامية». وأكد آل الشيخ أن من ينادون بهذه الدعاوى «المغرضة» يريدون أن يسخروا بنات المسلمين ليكن خادمات لهم، مستدلا على أن «فئة كبيرة من هؤلاء الكتاب تنحصر دعواتهم على بنات الآخرين بينما يحبسون بناتهم عما يدعون بنات الناس إليه، فبناتهم مصونات مكرمات بعيدات!». وفي كلمات موجهة إلى المرأة المسلمة، حث المفتي النساء على استحضار أمثلة من حياة زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهن القدوة الصالحة لك، فاقتدي بهن في أخلاقهن وأعمالهن، ولا تثقي بكثير مما يقال ويكتب، ويدعى فيه لتحرير المرأة، فكل هذه دعوات ضلال ومغالطة وسوء وفساد». وحذر آل الشيخ من الدعوات التي تنادي بخلط الجنسين في بعض المؤسسات، لافتا إلى أن الغربيين بدؤوا يستشعرون خطورة هذا الإجراء بعد معاناة طويلة رأوا خلالها مفاسد الاختلاط وضرره: «وهم يحاولون الآن بحث الطرق الكفيلة بعلاج آثاره في الفرد والمجتمع». سبب للفتنة وإثارة الشهوات اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، وامتزاج بعضهم في بعض، ومزاحمة بعضهم لبعض، وكشف النّساء على الرّجال، كل ذلك من الأمور المحرمة في الشريعة، كما يشير الداعية محمد المنجد: «لأن ذلك من أسباب الفتنة وثوران الشهوات ومن الدواعي للوقوع في الفواحش والآثام». ويستعرض المنجد الأدلة على تحريم الاختلاط في الكتاب والسنة بادئا بقوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}، الآية التي يفسرها ابن كثير بقوله: «أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب». واستشهد المنجد بما فعله النبي، صلى الله عليه وسلم، ليمنع النساء من الاختلاط بالرجال حتى في أحب بقاع الأرض إلى الله، وهي المساجد: «وذلك بفصل صفوف النساء عن الرجال، والمكث بعد السلام حتى تنصرف النساء، وتخصيص باب خاص في المسجد للنساء». ومن أوضح الأدلة على منع الشريعة للاختلاط، كما يقول المنجد، أن ابتعاد صفوف الرجال عن النساء أفضل لهم، وابتعاد النساء عن صفوف الرجال أفضل لهن: «فإذا كانت هذه الإجراءات قد اتخذت في المسجد وهو مكان العبادة الطاهر الذي يكون فيه النساء والرجال أبعد ما يكونون عن ثوران الشهوات، فاتّخاذها في غيره أولى بلا شك». ويختتم المنجد استدلاله على حرمة الاختلاط بالحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن أبي أسيد الأنصاري «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا مِن المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريقِ، فقال رسول الله للنساء «استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق «أي تسرن وسط الطريق»، عليكن بحافات الطريقِ، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به».