قبل أيام أعلنت وزارة العمل أن نحو ثلاثة ملايين شاب (قبل أن سيتدركوا ويعلنوا أن الرقم غير دقيق) تقدموا للحصول على دعم «حافز»، يمثل دعما ماديا للراغبين في العمل، وفق مفهوم الوزارة، ويمثل «قشة» للبعيدين عن العمل، وفق مفهوم العاطلين. وإذا كان يوما بعد يوم تتزايد الأرقام، قبل أن يتم توقفها بالفحص والتمحيص، كما أعلنت وزارة العمل، فإن الأرقام المخيفة التي أعلنتها تبدو من الوهلة الأولى متعلقة بمكافأة تصل إلى ألفي ريال، فيما هناك من الجهات التي ترتقي في الراتب إلى حدود ثلاثة آلاف ريال، فترى هل يذهب إليها الشباب أم تتزايد الأرقام لتمتد إلى عدد ربما أكثر من المسموح به على الصعيد الشبابي؟ في الجبيل كان الأمر مختلفا، إذ تولد داخلها أنموذج جديد ربما يحارب «حافز»، ولكن بصيغة «حاول». هناك ولد مركز التنمية الصناعية بالمعهد التقني في الهيئة الملكية بالجبيل الصناعية، ليجد نفسه مركزا من أهم المراكز الداعمة لأفكار الشباب واتجاهاتهم وهوايتهم الصناعية. وهناك لا مجال ل«حافز»، إلا بعمل، ولا مجال لعمل إلا ب«حافز»، ولكن ليس من وزارة العمل، بل من المركز الذي يعد الأول من نوعه في هذا الجانب ويقدم كل المتطلبات الضرورية للشركات الناشئة من تخطيط الأعمال ودراسات الجدوى والربط مع الجهات التمويلية لتمويل المشروع وتوفير الورش والمكاتب للعملاء والمساعدة على تطوير استراتيجيات التسويق والاتصالات، والإدارة المحاسبية، والسكرتارية وخدمات الإنترنت والبريد والهاتف والفاكس وقاعة عرض وغرفة اجتماعات مشتركة، وخدمات لوجستية أخرى حسب المشروع، وإمكانية الدخول إلى مرافق تسهيلات المركز على مدى 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع والاستشارات والتوجيه ومنها تأسيس وتسجيل الشركة، وتطوير خطة العمل واستراتيجيات التسويق والاتصال، وبحوث السوق والتخطيط المالي، وخدمات الدعم التسويقية مثل تطوير الموقع الإلكتروني للمشروع، والتدريب والتطوير: أصحاب المشاريع في المركز سيخضعون للتدريب الفعال حول كيفية أداء أعمالهم وكيفية تنفيذ مجالات أو محاور المشروع المختلفة عن طريق عقد ندوات وحلقات عمل سواء داخل المركز أو خارجه. يقول الشباب إن «حافز الجبيل» فكرة ربما لا تحارب أحدا، لكنها تحارب الفكر المعتمد على الكسل والتواكل، وحسب أحد المتقدمين للمركز بفكرة جديدة وهو الشاب ماجد فهيد الشمري: «أطمح إلى أن يكون مشروعي أحد الداعمين للاقتصاد الوطني وأن يحتضن الشباب السعودي ويجعلهم نافعين لأنفسهم ووطنهم، والمدى المراد الوصول إليه - بإذن الله - أن يكون مشروعي ذا فائدة اقتصادية وعلمية، حيث إنه ضمن الخطة المستقبلية أن يكون هناك قسم خاص بتطوير وتعليم مهارات التعقيم المستخدمة في المستشفيات، وذلك بتقديم الدعم العلمي والفني، ولقد وجدت مساندة إخوة أكثر من كونهم موظفين». ولعل الأمل الذي شاهده الشمري جعله يحلم بأن «عدد الحاضنات أكثر، وذلك ليقيني أن الكثير من إخواني الشباب عندهم الأفكار ولديهم العزيمة والهمة العالية وهم يبحثون عن مثل هذه الحاضنات لدعم مشاريعهم، ونحمد الله أن الشباب أصبحوا أكثر تفتحا وفهما للعمل الحر وشبابنا ينقصهم يد العون المتمثلة في العون المعنوي والعلمي، وبكل تأكيد العون المادي، ومشروعاتنا أحد الأمثلة التي ترجى منها الفائدة». طموح وانتظار ما زال أحمد محمد الهطلاني يحلم بنجاح مشروعه: «حيث إن مردود نجاحه لن يكون لي فقط ولكن سيشمل كل من عمل معي وساعدني حتى كلل بالنجاح، وفي هذه الحالة سيكون نجاحا لمركز التنمية الصناعية من حيث القدرة على تحويل الأفكار إلى واقع ملموس وهذا نجاح في حد ذاته، ونجاح المركز سيعني المزيد من النجاح لمتقدمين آخرين عندها يتحقق الهدف الذي أنشئ من أجله المركز، وأود أن أكون ممن أسهموا في تحقيق الفكرة التي قام عليها المركز، وبخصوص المدى ليست هناك نقطة نهاية للمدى بل استمرارية، ولكن المهم أن أستفيد من العمل الذي أعمله وأعمل جاهدا على تطويره للمنفعة العامة، وأن أسعى لكي أزرع الثقة في كل من لديه فكرة حتى يتقدم ويطرح فكرته دون أي تردد حتى تجد لها صدى لدى من يقوم بتحويلها إلى واقع أو من يساعد على تطويرها». ويرى الهطلاني أن: «الدعم كان متوافقا مع الكلمتين تقنية وتنمية، حيث إن التقنية علم يحول الفكرة إلى واقع عملي والتنمية هي التوسع في الفكرة وتوضيحها وإظهارها والوقوف على تطورها، هذا هو ما لمسته عند أول اتصال بالمركز, فكان الاستقبال والحث على طرح الفكرة فوريا، وهذا الدعم النفسي كان مهما جدا كخطوة لبداية مشوار يحتاج إليه كل من يقدم على أي عمل, ثم توالت بعد ذلك كل مقومات الدعم من مناقشة الفكرة والتوجيه وطرح السبل التي يمكن اتباعها». ليس عيبا ذكر الهطلاني أنه: «ليس هناك أي حرج في أي عمل شريف للشباب, فهم شباب ولديهم طاقة وقدرات عالية يجب أن تستغل دون النظر إلى طبيعة العمل إذا كان مردود هذا العمل للصالح العام، وليس هناك فارق كون العمل حرا أو غيره، وما لا شك فيه أنه يجب مواكبة ما يجري في هذا الكون من تطور وتغير في مجالاته المختلفة، خاصة المرتبطة بالحياة الشبابية والسعي إلى مجاراتها واحتوائها واستغلالها فيما يعود بالفائدة والمنفعة للشباب. كما أن الشباب يحتاج إلى التوجيه الإيجابي في هذا الوقت، لأن وقع الأحداث سريع جدا والتغيرات شبه يومية في شتى المجالات، فيجب أن ندلهم بأسلوب يتوافق مع هذا التسارع ويتوافق مع أحلامهم التي ليست لها حدود في وقتنا الحاضر نتيجة مصاحبتهم وسائل التقنية الحديثة التي فتحت أمامهم مجالات وأبوابا لا حصر لها، كذلك فتح المجال لهم لإبراز مواهبهم وإظهارها للعلن بحيث تقوم عليها مؤسسات تربوية تدلهم وترشدهم وتبين لهم الطريق الصحيح حتى تكون بدايتهم قائمة على أسس صحيحة واقعية بعيدة عن مغالطات الخيال». رؤية مستقبلية وفيما يحفظ الكثير من الشباب للقائمين على المركز عميق الود، يشير أحدهم إلى أمنيته: «أن يقوم المركز بدراسة فكرة مشاركة المدارس الثانوية لتخصيص مادة خلال المرحلة الثانوية يتعلم فيها الطلبة أمورا تتعلق بحياتهم اليومية، وتكسبهم خبرة قد نحتاج إليها يوما ما، وأقصد بذلك تعليمهم دروسا مبسطة سهلة مثل مبادئ إصلاح الأعطال البسيطة في سياراتهم ومكيفات منازلهم وسباكة المنازل وبعض الأعمال الخشبية البسيطة، بمعنى آخر ننظر حولنا في حدود منازلنا، ونسأل أنفسنا لم لا نستطيع أن نقوم بصيانة منازلنا مع ما يوجد لدينا من إمكانات؟ مع العلم أن كثيرا من العمالة التي تدخل لصيانة منازلنا لم يسبق لها أن تعاملت مع السيارات أو المكيفات أو السباكة إلى آخره من الأمور اليومية التي نعيشها لكنها تعلمت عندنا بتدريب لا يرقى إلى مستوى الصيانة». ويطمح الشاب بركات العنزي من مشروعه في بناء مستقبله، والتوسع في مجال التصنيع: «أريد أن نصل في يوم ما إلى مرحلة عدم استيراد أي شيء من الدول الأخرى إلا للضرورة القصوى، خاصة في المجال الصناعي. لقد كان الدعم ممتازا من قبل مركز التنمية الصناعي، وأشكرهم لمساعدتي حتى هذه المرحلة من مشروعي، وهنا يجب أن نطالب بتوسعة الحاضنات لاستقبال أكبر عدد من الناجحين والراغبين في تطوير هذا البلد، وأرى أن اتجاه الشباب للعمل الحر في تزايد حتى في ظل الوظائف، ولا نجد أي حرج في أي مشروع كان، ولا يشعر بالحرج إلا الفاشل، ونحن كشباب لا ينقصنا إلا ثقتنا في أنفسنا وعزيمتنا على إنشاء أي مشروع كان وتحقيق أحلامنا». أفكار وعدد من جانبه أشار المدير العام للمعاهد والكليات بالهيئة الملكية بالجبيل الدكتور علي العسيري، إلى أنه «تقدم إلى الآن نحو244 شابا وفتاة بأفكارهم وكان عدد المشاريع المقبولة لدينا 119 مشروعا وفكرة، والمرفوضة لعدم مطابقتها توجه المركز 105 مشاريع وأعداد الفتيات المتقدمات 38 فتاة والشباب 81 شابا». وبين أن المركز حاليا بصدد توقيع مذكرة تفاهم مع صندوق تنمية الموارد البشرية بهدف مساعدة رواد الأعمال المنتسبين للمركز ودعمهم براتب شهري 3000 ريال لمدة سنتين وفق شروط معينة. كما قام المركز بعمل شراكة مع منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية «اليونيدو»، وتهدف هذه الشراكة إلى الاستفادة من خبرات المنظمة في التدريب، وتقييم المشاريع والاستشارات الدولية من حيث الشركات المصنعة لبعض المعدات التي قد يستفيد منها المحتضن، كما تم أخيرا ربط المركز بقاعدة البيانات الخاصة بالمنظمة والتي تمكن المنظمة من متابعة التقييم وإبداء الملاحظات والمرئيات، وللمركز أيضا تواصل مع البنك الأهلي بشأن إقامة برامج تدريب خاصة بأصحاب المشاريع تشمل عدة جوانب في مشاريعهم، ويمكن للمقيمين في الحاضنة الاستفادة من الورش الفنية والمعدات والأجهزة الموجودة في المعهد لتحويل النموذج المخبري Prototype إلى منتج كامل يمكن تسويقه». وأشار إلى أن الحاضنات بمعهد الجبيل التقني أنشأت بعد الاطلاع على أفضل التجارب الدولية بالإضافة إلى الشراكات التي أقامتها مع مؤسسات عالمية، كما تمت الاستفادة من خبراء دوليين في وضع خطة العمل بما يتناسب مع بيئة المنطقة بشكل متكامل؛ بهدف تعزيز التعاون الدولي بين معهد الجبيل التقني والمنظمات الدولية للحاضنات فيما يتعلق بتبادل المعارف والاستشارات العلمية والتقنية، والاستفادة من خبرات تلك المنظمات فيما يتعلق بالحاضنات .