في وقت بدأ الشباب فيه الاتجاه إلى الابتكار والاختراع، اعتبر البعض الشروط التي تفرضها الجهات المختصة، صخرة تحطم الآمال وتوقف الطموحات، قبل أن تكون بوابة لسرقة الابتكارات والاختراعات. ولم تكن البداية التي تعرض لها المبتكر نايف عيدان الزهراني، إلا نموذجا للحال الذي وصل إليه بعض المبتكرين، في وقت عاب البعض ما عده سوء التنسيق لوضع الحماية اللازمة للابتكارات، وتنمية البعض الآخر بما يحفز على مزيد من الابتكار. فهل الابتكارات تجد من يحميها، والعوائق التي يعتقدها بعض الموهوبين مجرد أشباح لا يمكن رؤيتها، إذا كان الابتكار بذرة لا يختلف أحد على رعايتها لتنمو وتزهر، فلماذا لا نلتفت حتى لمن يدعي أن هناك أرضية غير صالحة لنمو النبات، علنا نتعرف على جميع العوائق لحلها، ونتحسس التجارب الناجحة لتعزيزها؟ بدأت تجربة الزهراني مع الابتكارات عندما شاهد برنامجا تليفزيونيا، وقدم فيه شباب من دولة الكويت ابتكارا لمنتج صناعي، وقاموا بتطوير المنتج إلى أن خرج بصورة جميلة جدا وكان لهم صدى واسع: «عندها قررت القيام بابتكار جديد، فنحن كشباب لدينا القدرة على الإنتاج والإبداع، لذا راودتني فكرة إضافة إلى منتج صناعي، والإضافة هذه عبارة عن إكسسوارات لمنتج صناعي، فبدأت بإضافة تصميم واحد إلى أن وصلت إلى 12 تصميما، ولم يساعدني أحد سوى عائلتي، ولم تتجاوز المساعدة المعنوية». لكن الزهراني الذي رأى ابتكاره ينمو يوما بعد يوم، ما إن «استوى الابتكار على عوده»، إلا وبدأ رحلة البحث عمن يظهر له الابتكار في صورة مفيدة للملأ: «بحثت كثيرا عمن يتبنى ابتكاري، فذهبت إلى الغرفة التجارية، فلم يستقبلوني، ثم ذهبت إلى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بالرياض لتسجيل براءة اختراع، وأطلعتهم على تصاميمي فأعجبوا بها ووعدوني بقبوله، وطلبوا مني دفع رسم مالي عن كل تصميم أقدمه، إلا أن الشروط التعجيزية التي طلبتها المدينة، لا بد من توافرها وبشكل عاجل، ومن هذه الشروط رسم تصاميمي بالكمبيوتر في نظام ثلاثي الأبعاد، ولعدم إلمامي بهذا الأمر، يتطلب ذلك البحث عن مصمم، ومن الصعوبة أن أعطي تصاميمي لأي مصمم، لأنه ربما سرقت الفكرة بشكل أو آخر». ويتساءل الزهراني لماذا لا تقوم المدينة بتصميم الابتكار بحيث لا يطلع عليه أحد؟ «أرسلته لهم على ورق، ولكنهم رفضوا قبوله إلا عن طريق المصمم، وعلى الرغم من مرور أكثر من عام، إلا أنني ما زلت في انتظار ردهم، لكن تخوفي أنه ربما ذهبت الفكرة برمتها، وأنا في انتظار رد المدينة». لكن الزهراني خلال تلك الفترة لم ييأس، وبادر بالذهاب إلى بنك التسليف: «لعل اختراعي يرى النور، وأخرجه للأسواق، ولكنهم يريدون أن يتدخلوا في كل صغيرة وكبيرة في المشروع، ويديرون المشروع أيضا، وفي المقابل يقدمون لي مبلغا زهيدا جدا ولا يذكر، لذا تركتهم وذهبت إلى مشروع عبداللطيف جميل لمساعدة الشباب، وبينوا لي أنهم سيقدمون لي مبلغ 100 ألف ريال، والمشروع يكلف أكثر من 500 ألف ريال، فالشركة التي ستقوم بإنتاج المنتج في الخارج، تطلب أرقاما مالية فوق طاقتي بكثير، ولا يمكن أن يظهر المنتج دون دعم مادي». ابتكار جديد ويشرح الزهراني أنه لم يتوقف على ابتكار واحد، بل استمر في الابتكارات، وكان آخرها ابتكاره فكرة جديدة، تتيح للمكفوفين السير مثلما يسير الأسوياء المبصرون خصوصا في الأماكن العامة، دون الحاجة إلى مساعدة أحد، حتى دون استخدام العصا: «بكل أسف لم أستطع العثور على ورشة عمل، لأنفذ اختراعي، مع العلم أن الفكرة لها أكثر من ثمانية أشهر، وعندما أذهب إلى أي مكان وأعرض فكرتي لتوفير ورشة عمل يطلبون معرفة كل شيء». لكن الزهراني يذهب في الإحباط إلى درجة مخيفة: «إذا لم أستطع توفير ورشة عمل بجميع أدواتها، فإنني سوف أبيع الفكرة لأي شخص أو شركة، وكل ما أتمناه حاليا أن أكون من الذين يعرضون ابتكاراتهم في معرض ابتكار، مثل الذي أقيم أخيرا في جدة، حيث راجعتهم قبل الافتتاح أملا في المشاركة، لكنهم أفادوني بأنه لا بد من تسجيل اختراعي في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وهنا يجب البحث عن بدائل لخدمة المبدعين، وعلى رجال الأعمال والمؤسسات الحكومية الحرفية الاهتمام بالمبدعين والمخترعين، وتوفير جميع الأدوات اللازمة لهم لمزيد من الإبداع والابتكار وعدم الوقوف حجر عثرة في طريقهم بشروط تعجيزية وغير مقبولة، فيما لا أظن أن هناك من يدعم الموهوبين من بداية المسيرة في التعليم وحتى نهاية المطاف». جهود متأخرة من جهة أخرى ذكر المدرب الدولي المعتمد في التعلم السريع طالع الأسمري، أن الموهبة يجب ألا ينقطع دعمها ورعايتها لنصل معا إلى مجتمع معرفي، مشيرا إلى أنه لا يوجد أي تنسيق بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، فيما يخص الموهوبين: «وهذا للأسف يؤخر الجهود التي تقدم للموهوبين في التعليم العام، وإن كانت هناك جهود تبدو في وزارة التعليم العالي، ولكنها تفتقد التخطيط والتخصص، وما نطلبه وجود تنسيق مشترك بين هاتين الوزارتين على سبيل المثال، لكي نصل إلى عمل احترافي يخدم قطاع الموهبة والموهوبين، فالموهبة تحتاج إلى الجهد الكثير والعمل المنظم وفق تطورات الوقت الحالي كما أن برامج الموهوبين تحتاج إلى مقاييس جديدة متواكبة مع التطور العصري الذي نعيشه وبالتالي تحتاج إلى تطوير وتحديث مستمر يضمن لنا السير في الاتجاه الصحيح في هذا المجال». ويشير مدير المركز الوطني لأبحاث الموهبة والإبداع الدكتور عبدالله الجغيمان، إلى أهمية تضافر جهود الجميع، والعمل تحت استراتيجية واحدة لنصل إلى العمل الذي يحقق لنا النجاح في كل مجالات الموهبة والإبداع: «توجد بعض الاتفاقيات الموقعة بين العديد من الجامعات السعودية ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع والمؤسسة ووزارة التعليم العالي، بينما لا يوجد حاليا أي تنسيق بين وزارتي التربية والتعليم العالي، ولكن هذه الاتفاقيات تنبئ بوجود مبادرات قائمة في هذا الجانب، فالعديد من الجامعات السعودية الحالية أنشئت حاليا مراكز للموهبة والإبداع في مقراتها». ويبين أن دور القطاع الخاص، وإن لم يكن بالشكل المطلوب: «إلا أنه يعد شريكا لنا في الموهبة والإبداع، وتوجد بعض الجهود المبذولة من القطاع الخاص فيما يحقق لنا تعاون وشراكة في هذا الجانب». جهود موفقة ويدافع مدير إدارة الموهوبين في تعليم المنطقة الشرقية تركي التركي، عن الجهود التي يتبناها التعليم العام لصالح الموهوبين: «فهناك العديد من الشراكات التي عقدناها مع العديد من الجهات الخاصة والعامة كالجامعات ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة «موهبة»، وبعض رجال الأعمال، وهناك العديد من أساليب الرعاية للطلاب الموهوبين لدينا كالرحلات العلمية والمخيمات العلمية والمشاريع العلمية، ونقدم خلال العام الواحد أكثر من 30 برنامجا للموهوبين، وتزيد النسبة 10 % سنويا، ويستفيد من هذه البرامج والأنشطة طلابنا الموهوبون والمبدعون والمخترعون في شتى مناطق المنطقة الشرقية ومحافظاتها على سبيل المثال». مزيد من الوقت ويرى اختصاصي في رعاية الموهوبين عبدالله عسيري، أن تجربة رعاية الموهوبين في المملكة لا تزال ناشئة وتحتاج إلى وقت حتى تنضج، وحتى تتأهب كل مؤسسات المجتمع لتبني فكرة رعاية الموهوبين: «بدأ التعليم الجامعي في إنشاء برامج لرعاية الموهوبين ضمن المرحلة الجامعية، مثل جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وجامعة الملك سعود بالرياض، حيث تهتم بالطلاب الجامعيين الموهوبين لديها، ولهم طرقهم في الكشف عنهم ورعايتهم، وتعد برامج ناشئة في منظور التجربة، أما وزارة التربية والتعليم، فعلى الرغم من أنه لديها برنامج خاص لرعاية الموهوبين ضمن المدارس، إلا أنني أتوقع أنه يقتصر على المرحلة الابتدائية، ولا يمكن القول بوجود تنسيق بين الوزارتين التعليم العالي والتربية، فيما بينهما، ونلاحظ أن كل وزارة لديها برامجها، وخططها بصورة منفصلة». وحذر من أنه إذا لم يجد الموهوبون والموهوبات الرعاية اللازمة والبرامج المناسبة، في فترة معينة فسيكونون أفرادا عاديين جدا: «ويحدث ما يسمى انطفاء الموهبة، وبالتالي يخسر المجتمع أفرادا كان من المهم أن يكونوا القادة للمستقبل، بل علينا أن ندرك أن الموهبة عند عدم اكتشافها أو إهمالها، قد تختفي في سن مبكرة من الطفولة، تقدر في كثير من الأحيان بعمر الثمانية إلى العشرة أعوام، وقد يزيد أحيانا»