بات الاختراع سمة مميزة لكثير من الأبناء الطلاب والطالبات. وأصبح في كل محفل ينتشر العشرات، عارضين ابتكاراتهم، في وقت يذهب البعض إلى أبعد من ذلك بالحصول على براءات الاختراع، حرصا على توثيق العمل، وتعميقا للرغبة في التوسع فيه. ولكن هل ينمو الاختراع مع الطالب أو المخترع، أم أن الصفات الجينية هي المسيطرة؟ وهل المشاريع وحدها قادرة على تسويق نفسها، أم أن الدور التعليمية بمختلف أشكالها لها دور في تنمية المشاريع وتحويلها من مجرد فكرة اختراعية إلى واقع اختراعي؟ أم القرى جامعة عريقة، نبت فيها الاختراع، حتى باتت المشاريع داخلها تتحدث عن اختراع ومخترعين، وبوابات اختراع. وبرز بين صفوف المخترعين كثير من الطلاب، خاصة من منسوبي قسم الهندسة الميكانيكية، الذين قدموا مشاريع تخرج، فيها من الابتكار والاختراع والإبداع الشيء الكثير الأمر الذي دعا الجامعة للمسارعة بإنشاء مشاريع لدفع مسيرتهم والاهتمام بمخترعاتهم وابتكاراتهم. ونفذ مجموعة من طلاب قسم الهندسة الميكانيكية بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية جامعة أم القرى مشروع المركبة الشمسية الذي يتم شحنه بواسطة خلايا شمسية تستمد طاقتها الكهربائية من الطاقة الشمسية، حيث أشاروا إلى أن التعديلات على المركبة شملت نزع مقود محرك البنزين واستبدال مقود كهربائي به مع تركيب بطارية خاصة تشحن بالطاقة الشمسية من خلال الخلايا الشمسية المصنوعة من السنقل كرستل سيليكون وذلك لتمكنها من تخزين الطاقة الشمسية في الظروف المناخية المختلفة. ولفتوا النظر إلى أن المركبة يمكن أن تسير بسرعة 40 كيلومترا في الساعة مدة ست ساعات متواصلة بعد شحنها بالطاقة الشمسية، مؤكدين أن هذه المركبة سيتم تخصيصها لنقل كبار السن والعجزة من حجاج بيت الله الحرام بالمشاعر المقدسة. وأشادوا في الوقت ذاته بالدعم الكبير الذي حظوا به من إدارتي الجامعة والكلية مما مكنهم من التوصل إلى هذا المشروع. نموذج اختراعي وعلى خارطة اختراعية أخرى نجح فريق طلابي بقسم الهندسة الميكانيكية بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية في جامعة أم القرى في تصميم وتنفيذ توربين هوائي لتوليد الطاقة الكهربائية باستخدام الرياح مع اختباره في المناطق المحيطة في مكة. ويأتي ذلك في إطار مشروع التخرج الخاص بعدد من الطلاب المتميزين لاستغلال الطاقات غير التقليدية المتاحة في المملكة وعلى رأسها طاقة الرياح وتقوم فكرة المشروع على تصميم وتنفيذ نموذج توربين رياح ذي محور أفقي منخفض التكاليف بحيث يمكن استخدامه في التطبيقات المنزلية على الأقل لتغطية جزء غير قليل من استهلاك المنزل من الطاقة. وأبان المشرف على مشروع تصميم وتنفيذ توربين هوائي لتوليد الطاقة الكهربائية الدكتور أحمد فاروق عبدالجواد أن من نفذ هذا المشروع هم نخبة من الطلاب المتميزين الذين بذلوا قصارى جهدهم؛ اقتناعا منهم بأهمية استغلال جميع مصادر الطاقة غير التقليدية المتاحة. وأكد على أهمية الحصول على التمويل المالي لهذه النوعية من الأبحاث عند طريق المراكز العلمية المتخصصة، حيث إن التوجه العالمي يسعى إلى توفير نحو خمس الاستهلاك الكلي من الطاقة في القريب العاجل عن طريق استغلال مصادر الطاقة غير التقليدية وعلى رأسها طاقة الرياح. لماذا الاختراع؟ يرى الباحث والمختص النفسي فهد الحمدان أن الإبداع والاختراع يكون عند الطفل قبل دخول المدرسة بنسبة 98 %، ثم يتناقص تدريجيا بسبب تقييد الأسرة لحرية الطفل في التفكير، ثم يتناقص بحدة عند دخول المدرسة، حتى يصل إلى 10 % فقط في كثير من الدراسات. وأشار إلى أن «المخترع يكتشف نفسه عندما يشعر بميل تجاه أمور محددة مثل الفك والتركيب وغيرها ولكن المخترع والمبدع يمر بالعديد من العوائق، ومنها عدم تقدير الأسرة والمدرسة لموهبة الطفل والسخرية منه أحيانا، وعدم تهيئة الأجواء المناسبة لنمو موهبته وإبداعه بسبب الجهل، وهنا لا بد من تشجيعه المستمر بالثناء عليه وتوفير المستلزمات التي يحتاج إليها وإقامة معارض يتم فيها عرض الابتكارات والمخترعات والإبداعات بأنواعها، كذلك إقامة برامج مؤسسية واختبارات عملية لاكتشاف موهبة الطلاب مثل المسابقات والابتكارات، فهذا أمر مهم جدا لتشجيع الموهبة والإبداع والاختراع، مؤكدا أن المدارس والجامعات بدأت تمتلك وعيا حول دورها في تشجيع المبدعين والمخترعين». نمو المخترعين ويبين المشرف التربوي نور عطا أن من أهم العوامل التي تساعد على وجود المخترعين في جامعاتنا ومدارسنا إيجاد برامج توعوية علمية للأسرة والمجتمع تعرفهم على طرق اكتشاف الموهبة والإبداع والابتكار وتنميتها، وإصدار المطويات والنشرات المتخصصة في الإبداع والابتكار، وتقديم برامج تلفزيونية تتحدث عن الإبداع والابتكار، وتخصيص مساحات في الصحف والمجلات لإبراز أعمال المبدعين والمبتكرين، وتوظيف شبكة الإنترنت لخدمة الإبداع والابتكار، والاحتفاء بالمبدعين وتكريمهم وتكريم أولياء أمورهم، وتكريم أفضل المدارس والجامعات الراعية للإبداع والابتكار، وتكريم الاختراعات الوطنية المتميزة، وتكريم سنوي لأصحاب أفضل الاختراعات والابتكارات، كما ينبغي على إدارات الجامعات والمدارس الاهتمام بالمواهب الطلابية، حيث ينبغي على كل معلم ومعلمة وعلى وجه الخصوص رواد الأنشطة الطلابية العناية بالمبدعين واكتشافهم بين الطلاب والطالبات، وتهيئة البيئة الإبداعية لهم بإنشاء نادٍ للمخترعين وإلحاق أصحاب المواهب فيه، وتعريفهم على سير المخترعين، وتهوين أمر الاختراع لهم ومحاولة مساعدتهم، والقيام برحلات للأندية العلمية في الجامعات والمعاهد والمدارس المتخصصة، وتبني مخترعاتهم الصغيرة». دور توعوي ويعتقد الإعلامي حمدان المالكي أنه يجب ألا يخفى على الجميع الدور الكبير الذي تقوم به وسائل الإعلام المختلفة في إبراز وإنجاح أي عمل وإظهاره للعالم «ومن هنا تظهر أهمية وسائل الإعلام واعتماد العالم عليها في توصيل الأهداف إلى المجتمع، وأرى قصورا واضحا في إعلامنا خاصة في إبراز أعمال الموهوبين والمخترعين، فيجب أن يكون هناك تنسيق بين هذه الجهات المعنية ووسائل الإعلام، وكذلك يجب على الإعلام المساهمة بجدية في إبراز تلك المواهب، حيث إن دور الإعلام مهم جدا وبكافة أنواعه، ويجب أن يقوم مثلا بعمل المسابقات عبر القنوات ورصد الجوائز التشجيعية، وعمل البرامج العلمية والتثقيفية، وعمل التحقيقات الصحفية ونشر الأخبار والتقارير والمقابلات مع المبدعين وإبراز مواهبهم، وعمل برامج ولقاءات مع المخترعين والموهوبين». شراكات للاختراع وأوضح وكيل جامعة أم القرى للأعمال والإبداع المعرفي الدكتور نبيل بن عبدالقادر كوشك أن جامعة أم القرى حققت إنجازات علمية وإبداعية وبراءات اختراع نشرت في المجلات والمؤتمرات العلمية الدولية المتخصصة وسجلت لدى الهيئات العلمية العالمية. وبين أن الجامعة وافقت على مشروع إنشاء شركة وادي مكة للتقنية بالجامعة، الذي تتطلع الجامعة من خلاله إلى أداء مهمة محلية ذات رؤية عالمية، حيث من ضمن أهدافه تأسيس حاضنات التقنية والاستثمار فيها، واستثمار براءة الاختراع والحقوق الفكرية والنماذج الصناعية، إلى جانب الاستثمار في الأنشطة الاقتصادية والصناعات المعرفية وتقديم الاستشارات في مجال تطوير التعليم والبحث العلمي وصناعة التقنية، كما أنه يهدف إلى المساهمة الفاعلة في تطوير اقتصاد المعرفة عبر الشراكات بين المؤسسات التعليمية والبحثية ومجتمع الأعمال والاستثمار على أسس تجارية من خلال الاستثمار في المشاريع المشتركة التي تصقل الخبرات والتطبيق العلمي لطلاب الجامعة وأساتذتها، وذلك عن طريق الاستثمار في صناعة نقل التقنية وتوطينها وتطويرها وتهيئة طلاب الجامعة للعمل في القطاع الخاص بعد تدريبهم وتأهيلهم وكذلك توفير البيئة المناسبة لإجراء الأبحاث ذات الجدوى الاقتصادية لخدمة الاقتصاد المعرفي. ولفت النظر إلى أن المشروع يسعى إلى تحقيق العديد من الرؤى منها تطوير التقنية المتعلقة باستخدامات الحج والعمرة، والمتمثلة في تقنية الاتصالات وأنظمة المعلومات الجغرافية وغيرها، وكذلك توجيه البحوث الجامعية إلى مردود اقتصادي والمساعدة على تسريع عمليات تحويل الابتكارات التقنية إلى منتجات تجارية، وكذا إيجاد موقع مهم للمملكة على المستوى العالمي في مجال الأبحاث الصناعية ذات الجدوى الاقتصادية وبرامج الابتكار والإبداع. وبين الدكتور كوشك أن الجامعة أقرت إنشاء صندوق وقفي للجامعة وذلك لدعم البرامج التعليمية والبحوث والابتكارات بالجامعة، مشيرا إلى أن الجامعة أبرمت أخيرا اتفاقية تعاون مع جامعة هارفارد الأمريكية لتنفيذ ورشة عمل عن تطبيقات تقنية نمذجة معلومات البناء في البناء والتشييد حيث إن هذه الاتفاقية التي تستمر ثلاثة أشهر تتضمن إقامة ورش عمل لأعضاء هيئة التدريس وطلاب كليات العمارة والتخطيط والهندسة بالمملكة لاطلاعهم على أحدث التطورات في مجال تقنية نمذجة معلومات البناء، إلى جانب إقامة ورش عمل للمهندسين العاملين في إدارات المشاريع بالقطاع الحكومي وقطاع أعمال البناء والتشييد تتناول أعمال التخطيط والتصميم والتنفيذ والتشغيل والصيانة من خلال استخدام تقنية نمذجة معلومات البناء .