لم يكن ظهور «التدين الجديد» أمرا مفاجئا أو غريبا، فلقد جاء بعد تغيرات عدة مر بها الفكر الديني في القرون المتأخرة فكان نتيجة إرهاصات متراكمة، وعلى الرغم من الجدلية القائمة حول الإقرار بهذا النمط الجديد من عدمه، ورغم ما يثيره هذا المصطلح من تباين حاد في الآراء والمواقف، إلا أنها ظاهرة لافتة تناولتها الدراسات والمؤلفات بكثير من الاستفاضة، كما أن مظاهر الجدة «التجديد» والاختلاف الفكري على مستوى الأحكام والمفاهيم تفصح عن وجود «تدين جديد» كنمط جديد لفهم علاقة الدين بالحياة إلا أن ملامحه الفكرية لم تتبلور في صورتها النهائية بعد، فما زالت ملامحها في طور التراكم نظرا لأن ظاهرة منظري وقيادات هذا النمط من يطلق عليهم «الدعاة الجدد» ما زالت قيد التحول والتشكل على مستوى المجال والخطاب. لذا انقسمت المساحة الاجتماعية الإسلامية على نفسها حيث يرى البعض فيها مشروعا لتمرير التغريب، فيما يرى الآخرون أنها المشروع الأجدى الذي ينسجم والتسارع الاقتصادي والتقني والانفجار المعرفي بالإضافة لدورها في رفع المستوى الأخلاقي لدى الشباب المنبهر بالحداثة. ومن أبرز الإشكاليات التي تواجه التدين الجديد أولا: إشكالية النظرية وارتباك التطبيق فنظرا لجدة الجانب التنظيري ومروره بطور التحول والتشكل أدى ذلك لارتباك في الجانب التطبيقي نظرا لعدم وجود أرضية فكرية واضحة مكتملة بالرغم من الانبهار الجماهيري بقياداتها، ثانيا: الاصطدام؛ ففي السياق التنظيري ذاته نجد أن محاولات التجديد الفقهي جعلت أصحاب هذا النمط الجديد يصطدمون بالفكر الديني السائد وقادته؛ ما أدى إلى رفض حاد أفقده شريحة اجتماعية مهمة، وخلق نوعا من المناوأة التي خلخلت استقراره وأجلت اكتماله، ثالثا: التوجس العالمي فقد كان السطوع الإعلامي لبعض الدعاة الجدد في بعض الفضائيات، والنجاح في استيعاب واستقطاب الجماهير، سببا في مجابهة جهات إعلامية لأولئك الدعاة بدوافع معروفة فسعت لتغييبهم بإقصائهم وابتكار وترويج برامج مُلهية توجسا من كل ما هو ديني وخشية ارتفاع المنسوب الأخلاقي لدى الشباب الذين استطاع الدعاة الجدد التأثير عليهم. ولعلي أستطيع القول إن التدين الجديد ظاهرة نشأت في مرحلة انكسار وانبهار، أوجدت شعورا بضرورة نقد العقل السائد واستحداث واستجلاب ما من شأنه الارتقاء بالنفس المهيضة ورأب التصدعات التي التهمت الشرق في القرون الأخيرة، انطلاقا من الثوابت العقائدية سعيا للنهوض بالذات الإسلامية وفق فكر متجدد وبشكل جديد.