لقد أتى اليوم الذي نتمنى فيه أن يعود الإنسان لطبيعته الإنسانية بعد أن فقدها أو تجرد منها، حتى أصبح «كائنا» ولن أمضي بعيدا لأنعته ب «الشيء» فهو يأكل ويشرب ويتنفس، أي أنه ما زال يتمتع بسمات الكائنات الحية! ولو مضيت لنعتِه مجازا بالشيء، فليس هذا من الظلم في شيء، فالله أعدل العادلين نعت قلوب طائفة من الناس بأنها «كالحجارة أو أشد قسوة». فما عاد الإنسان في سلوكه وممارساته إنسانا، فلم نعد نشعر بمقوماته البشرية الفطرية التي تظهر إخاء وشفقة وإيثارا وإنصافا للنفس والآخرين، وغير ذلك من ملامح النفس الإنسانية التي فطر الله عليها الإنسان وجاءت الأديان السماوية لترسيخها، بل حتى الأنظمة الوضعية كذلك لا يمكن أن تقر بما يخالف تلك القيم والمقومات والملامح بشكل صريح لأن هذه الأنظمة حينئذ ستكون محل رفض. ونحن كذلك كأفراد في مجتمع مسلم لا يمكننا القول إن المصلحة والانحياز للرأي وفرض الذات أمور ضرورية في خضم الحياة المتسارعة إلا أن الكثير ينطلق منها لممارسة حياته، فلقد باتت المصالح تحكم العلاقات الاجتماعية بعد أن كانت الإخاء و المودة والاحترام هي الحاكمة، وبات إطلاق الحكم على الأشخاص والأحداث ينطلق من الهوى والرأي الشخصي و «الفزعة» للقريب بعد أن كان الإنصاف هو المنطلق، وبات فرض الذات هو الذي يبعث على العطاء بعد أن كان الطموح هو الباعث، وغير ذلك كثير. إن هذا لا يؤثر على متانة وانسجام مجتمع ما فحسب بل على نظرتنا إلى ذلك المجتمع ولكل الأشياء والأشخاص في العالم. فلقد أصبحت الملامح والمقومات الإنسانية بضاعة كاسدة في عالم المادة والمصلحة، لذا بدأ الإنسان ينسلخ منها بل ويتنكر لها ويرى فيها سذاجة أو مثالية لا تتفق والواقع المعيش، ما أدعو إليه ليس الأنسنة بمفهومها الفكري الذي يدعو إلى تغليب النزعة الإنسانية كما أنها ليست الأنسنة الأدبية بالتأكيد، إنما هي دعوة للحفاظ على البقايا الإنسانية داخلنا وإعادة الطبيعة الإنسانية السوية بعد أن تجرد منها صاحبها وارتدى قناع المصلحة والمادة والأنا وما تريده هذه الأنا. لنقيّم أنفسنا بعد كل موقف نمر به ونتساءل: هل كنت في ذاك الموقف كائنا أم إنسانا؟!