اتسعت المدن، وازداد تعداد السكان، وباتت أطراف الشوارع تتخلى عن أبسط مقومات الوجود، ألا وهي الأسماء، في وقت باتت تحظى أيضا بأعلى سقف للتعارف بين السكان. هي أسماء الشوارع التي تحولت بين الشباب إلى لوحة غير مألوفة لا يراها إلا من يريد تركيبها من شركة مشغلة أو عامل نظافة، فيما لا يتداولها أي من المارة بانتظام، أو العابرين ولو مصادفة. ويصبح السؤال ما الذي يجعل شارعا تحرص الأمانة على تسميته أن يجد نفسه بلا هوية، أو يتحول إلى شارع باسم جديد لمجرد توفر محال متخصصة فيه، أو لوقوع حادث عابر من خلاله، أو ربما عطفا على نخلة أو حتى لون مصباح؟ ما الذي يجعل السكان يفضلون تلك الأسماء، ويرفضون أسماء معتمدة، أرهقت الأمانة لأسابيع أو لشهور، قبل اعتمادها؟ وما الذي يجعل الأمانة تتمسك بأسماء ربما باتت غير متعارف عليها في أواسط السكان؟ الطندباوي – دحلة الحوامل – الغسالة – الدراكتار – الكهرباء – واشنطن – البراميل – العصارات، مجموعة من الكلمات الغريبة التي ربما يظن من يسمعها للوهلة الأولى أنها مرتبطة بلعبة تراكيب الجمل أو وضع الجملة المناسبة في المكان المناسب، لكن الحقيقة أنها لأسماء شوارع موجودة هنا وهناك في المدن الشهيرة، ومن بينها العاصمة الرياض. وعلى غرار لا نعرف سواها، يعلن الشاب محمد الغامدي أسباب تداول أسماء وهمية لأسماء شوارع بعينها «أرى أن هذه الأسماء تسهل علينا عملية الوصف، الدور الكبير الذي يلعبه «سائقو الليموزين» في إشاعة مثل هذه الأسماء الجديدة لهذه الشوارع باعتبارهم من جنسيات أجنبية ولا يعرفون دلالة الأسماء الموضوعة من قبل الأمانة». وبين أن الأسماء الوهمية أشهر من الأسماء الرسمية، مثل النخيل على شارع حسان بن ثابت، أنكاس على شارع خالد بن الوليد في حي الروضة، المطاعم على شارع سلطان بن عبدالعزيز، التحلية على شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز لتواجد مركز تحلية المياه، إبليس على شارع محمد الحمدان في حي السليمانية بسبب انتشار محال تركيب أطباق الستلايت. لا غضاضة ولا يرى الشاب باسم صالح غضاضة في إطلاق أسماء وهمية أو للدلالة على ما تحتويه من محال تجارية أو رمزية، على بعض الشوارع «مثل هذه التسميات لا تضر أحدا، لأنها مجرد أسماء للدلالة على الشارع وتسهيل عملية الوصول، وهي طبيعة تفاعلية في أي مجتمع كبير ومتجدد في أي دولة من الدول، فضلا عن مدينة ضخمة مثل الرياض معروفة بشوارعها وأحيائها وسكانها من مختلف الأجناس والأماكن». تفريق مطلوب لكن الشاب سعيد الدماس، يطالب بالتفريق بين المقبول وغير المقبول في بعض الأسماء «ربما أقبل بعضها، وأرفض البعض الآخر، لكل شارع من هذه الشوارع ميزة معينة تجعله متفردا عن الشوارع الأخرى إلى أن أغلب الأسماء المشهورة لشوارع مدينة الرياض مثل شارع المطاعم وشارع التحلية وشارع القراطيس، جاءت بغرض الحاجة التي ربطت هؤلاء الذين أطلقوا تلك الأسماء، وأعتقد أنها مسائل بسيطة وشعبية لا يمكن تغييرها عند الشباب إلا بالوعي والنصيحة، وهناك أسماء لا يمكن أن نقبل بها مثل شارع الموت الذي يطلق على أحد الشوارع الشهيرة الذي اشتهر بممارسة هواية التفحيط, حيث ذهب في ذلك الشارع العديد من أرواح الشباب، فأتذكر أن كل يوم خميس لا بد من وقوع حادث شنيع يذهب ضحيته على الأقل شاب أو شابان لذلك أطلق عليه شارع الموت». تمرد شبابي ويصف الشاب سعيد صنقور تغيير أسماء الشوارع من قبل بعض الشباب بالأمر المنطقي، مشيرا إلى أن أغلب الشباب يحبون التمرد على كل شيء لدرجة أن هذا التمرد وصل إلى أسماء الشوارع «رغم تقديري للأسماء الذين سميت بأسمائهم تلك الشوارع، لكنني أعتقد أن أمر الأسماء الوهمية برمته لا يخرج عن كونه حالة شبابية أريد بها كسر القيود بغرض الانطلاق نحو آفاق أرحب وأوسع، فالشاب في أغلب الأوقات يريد أن يشعر بأن كل شيء يسير كما يريد وهذا أمر طبيعي إذا ما وضعنا في الحسبان الحماس الشديد الذي يتميز به الإنسان في مثل هذه السن، كما أن هذه الأسماء سميت لأماكن موجودة فعلا في هذه الشوارع، فشارع صلاح الدين مثلا سمي بهذا الاسم لوجود فندق كبير هناك بهذا الاسم الشعبي، وكذا الحال بالنسبة إلى شارع الثلاثين الذي سمي نسبة إلى طوله». ويطالب صنقور بأن تسارع الأمانة باعتماد الأسماء الجديدة المألوفة في الشوارع، حتى يتم حفظ هذه الأسماء من قبل الناس «فهناك شوارع كثيرة تظل دون أسماء لفترة طويلة ما يسبب ربكة للناس، خاصة في الأحياء الجديدة والمخططات التي بدأت تظهر بسرعة كبيرة، لدرجة أنه لا يمكنك حفظ الأسماء في تلك المخططات بالسرعة المطلوبة، وهو ما يضطرك أحيانا كثيرة إلى أن ترمز إليها بأشهر شيء قريب منها مثل محطة بنزين أو سوبر ماركت معروف أو غيرها من الأماكن الواضحة للعيان». أمر طبيعي ويرى الشاب تركي الحزنوي أن التسمية طالما ارتبطت بوجود مكان مميز في الشارع المعني فهي أمر طبيعي «هناك آلاف الليموزينات التي يقودها أجانب أغلبهم لا يعرفون الأسماء التي وضعتها الأمانة، الأمر الذي يجعلهم يستبدلونها بأكثر الأشياء تميزا فيها، حتى يسهلوا على أنفسهم المهمة، فنجدهم مثلا يطلقون على شارع حسان بن ثابت الشهير اسم شارع النخيل لكثافة النخيل في ذلك الشارع، ومثل هذه التسميات تعتبر من الأمور الطبيعية لأن الحياة بطبيعتها قابلة للتغيير، وإذا نظرنا إلى مدينة الرياض مثلا فهي من المدن الكبيرة التي تستقبل سنويا عشرات الآلاف من شباب الهجر والقرى البعيدة الذين يأتون من أجل الدراسة والعمل، فمن الطبيعي أن يؤثر مثل هؤلاء في المجتمع بسلوكياتهم التي يمكن أن تنعكس في طريقة تعبيرهم عن أسماء ما يرونه من شوارع على أقل تقدير» .