لم يكن المسيح اليهودي أول من اغتالته السلطات الحكومية علانية بسبب أنه يشكل مصدر خطر، بل قبل ذلك بأربعة قرون من ذلك العصر أجبر سقراط المعلم الروحي لحزب الأرستقراطيين على تجرع السم لأن الديمقراطيين كانوا اتهموه ظلما بأنه ينكر وجود الآلهة وإن كان السبب الرئيسي هو انتشار أفكاره -التي بقيت إلى الأبد- الداعية إلى العقلانية والتنوير قد تشكل تهديدا لأمن الدولة. لاحقا أضحى المسيحيون يلاحقون بجريرة عقيدتهم لا لشيء سوى أن روما كانت تعتقد أنهم يشكلون خطرا, لم يتوقف الاضطهاد والملاحقة إلا بعد اعتراف قسطنطين عام 313 بالعقيدة المسيحية, ومع الوقت أصبحت المسيحية هي الديانة الرسمية للدولة, ومع الوقت أيضا أصبح الملاحقون بالأمس يلاحقون آخرين اليوم، ومن هناك بدأت مجازر محاكم التفتيش الشهيرة حتى قضى عليها رواد التنوير. التجربة الألمانية بعد حقبة التنوير الأوروبي دخلت عصر النازية التي شردت المثقفين ذوي النزعة النقدية إلى خارج البلاد أو ألقوا بهم في غياهب السجون, وبعد محاكم التفتيش أصبح يعقد ما يسمى بجلسات التطهير، تحضرها مجموعة من الكتاب الذين أمسوا لاحقا من أرباب الثقافة في ألمانيا الديمقراطية سابقا, أعني كتاب على غرار فللي بريديل وجوستاف فون وفريدريش فولف, وفي عام 1956 حكم على فالتر يانكه ومجموعة من المثقفين بالسجن لعدة أعوام، ثم في عام 1979 تم فصل تسعة كتاب من اتحاد الكتاب في ألمانياالشرقية مع تواصل نزوح الكثير من الكتاب والفنانين والصحفيين خصوصا في عهد هونيكر الديكتاتور إلى ألمانياالغربية وأمريكا وبقية دول أوروبا حتى عشية سقوط جدار برلين. هذا المقال الثالث والأخير من سلسلة مقالات التنوير, استعنت فيها بمجلد جدير بالقراءة شارك في كتابته مجموعة ممتازة من المثقفين وأساتذة جامعة ألمان وترجمته مؤسسة محمد بن راشد آل متكوم ونشرته مشكورة تحت عنوان «أدباء أمام المحاكم», بقدر ما استمتعت بالكتاب بقدر ما تأكد لي أننا نعيش كعرب في عام 1432م.