هناك سلطات متنوعة مؤثرة في سلوك الإنسان تعمل على توجيهه تجاه خياراته العامة اجتماعية وفكرية وسياسية ودينية، منها سلطة الدين وسلطة القبيلة وسلطة المجتمع وسلطة العاطفة وسلطة العدد كثرة وقلة وغيرها كثير، سردها الباحث إبراهيم السكران في محاضرته الأخيرة، وهذه السلطات يخضع لها الإنسان بأولويات متباينة وبسلّم ترتيب يختلف من إنسان لآخر، فهناك من يخضع لسلطة المجتمع بشكل أساسي ثم لبقية السلطات بشكل أقل فأقل، وهناك من يخضع لسلطة الدين بشكل أساسي ثم بقية السلطات بشكل أقل فأقل، وهكذا دواليك. غير أن الاتفاق الوحيد الذي أطبق عليه الجميع كما يبدو هو اتفاقهم في جعل سلطة العقل في آخر سلّم الترتيب لأولويات التأثر بهذه السلطات. ولذلك نجد أننا في حالة حضور دائم لأمثلة ونماذج لجميع هذه السلطات باستثناء هذه السلطة الوحيدة، القابعة في ذيل القائمة الطويلة، سلطة العقل. فجميع النشاطات والبرامج والفعاليات الفردية والجماعية الإعلامية والخاصة لو تأمل الإنسان لوجد أن من يقف وراءها هو إحدى هذه السلطات الشائعة والعديدة، كسلطة المادة وسلطة الدين وسلطة الاختصاص الأكاديمي وسلطة الجماهير.. دون أن نجد فعالية واحدة أو نشاطا واحدا نابعا بشكل مجرد وحصري من هذه السلطة المقهورة، سلطة العقل. هذه السلطة المحايدة تجاه جميع السلطات، وتجاه جميع الأفكار، ذنبها الوحيد هو الافتقار للسلاح السحري الذي تمتلكه بقية السلطات، وهو سلاح العاطفة. فكل سلطة أخرى تجتر معها عاطفة ما جياشة تدفع باتجاه الانسياق خلف هذه السلطة دون غيرها، سواء كانت عاطفة دينية أو مذهبية أو عاطفة دم وقرابة أو عاطفة حب الذات والشهرة وغيرها، ما عدا هذه السلطة العقلانية البتراء، لا عاطفة تروج لها ولا بواكي لها من الغرائز، جبروتها اليتيم في سياسة وحيدة ومجردة تتلخص في صفعة الحقيقة الصادمة بقوة انكشافها، والبرهان الفاضح بقوة منطقيته، والحجة القاطعة المانعة بسيف شديد الرهافة والاختصار، فأي عواطف الدنيا تقهر حقيقة أن: 1 + 1 = 2؟.