بعد مرور ست سنوات على صدور لائحة تقويم الطالب، التي اعتمدتها وزارة التربية والتعليم، وفي الذكرى الخامسة لبدء تطبيق التقويم المستمر في المرحلة الابتدائية، قبل أن يشمل كافة الفصول قبل عامين، عادت أصوات الرفض تخرج من قبل الأكاديميين، الذين لم يكتفوا هذه المرة بالانتقاد، لكنهم تبادلوا التعازي فيما اعتبروه وفاة الجيل الجديد. وعلى الرغم من الإيجابيات التي دافعت بها وزارة التربية والتعليم عن التقويم المستمر من اليوم الأول لتطبيقه على أرض الواقع، إلا أنه ما زال اللغط يدور حول السلبيات التي أفرزها التطبيق إلى الدرجة التي جعلت عددا من الأكاديميين يشخصون الأمر على أنه أمر يجب عدم السكوت عليه، فيما ألمحت المصادر غير الرسمية إلى اتفاق على سلبيات التقويم المستمر، مما ربما يؤدي في النهاية إلى إلغائه، إذا استمرت حملة التصعيد. بداية الداء ظهرت بداية التقويم المستمر إلى الميدان التربوي، لينحصر التطبيق على طلاب الرابع الابتدائي في 2006م، وينتهي في 2009م ليعم كافة الصفوف الابتدائية. إلا أن الأكاديميين اعتبروا الخمس سنوات الماضية كفيلة بإظهار العيوب الواضحة في النظام، بشكل يجعل المطالبة بإلغائه واجبا ضروريا، لإنقاذ الجيل الجديد، بعدما تخرج جيل لا يجيد القراءة والكتابة. ضعف النتاج ويصف وكيل مدرسة عواض محمد القرشي الأمر على أن هناك «شبه إجماع من التربويين على ضعف الناتج التعليمي في المهارات اللغوية الأساسية سواء القراءة أو الكتابة والحديث والاستماع، فإذا كانت الغاية من الدراسة، وخاصة في المرحلة الأولى أن يتحدث الطالب بلغة سليمة مفهومة، وأن يفهم ما يسمع وأن يقرأ ويفهم ما هو مكتوب فهما سليما، فإني أظن أن النتائج في مراحل تعليمنا العام تسير خلاف هذه الغاية، حيث إن الشكوى عارمة وعامة من هذه القضية، وعند تأملنا للمهارات اللغوية السابقة نجد أن القراءة هي بابها ومحورها، وهذا يعني أن التخلف في مسألة القراءة يدخلنا إلى دهاليز الأمية الأبجدية في أبسط صورها، والحقيقة أن هذه الصورة بدت واضحة جلية بعد تطبيق نظام التقويم المستمر المعمول به حاليا في المرحلة الابتدائية، ونحن هنا نعزو إليه السبب في ذاك الضعف مباشرة سواء من حيث النظرية أو التطبيق». ويرى أن التجربة كان يجب أن تتعلق بالمواد الشفهية، ثم تعمم على جميع المراحل والصفوف «ومع هذا التطبيق وبعده تتعالى صرخات المربين من داخل المؤسسة التربوية ومن خارجها، فلا آذان مصغية، ثم يفاجأ الجميع بتعميم التجربة على الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية وعلى جميع المواد الشفهي منها والمكتوب، علما بأن التجربة لم تشمل المواد المكتوبة في الأصل دون تقويم لنظام التقويم المستمر، وبدأت النتائج الكارثية ترتسم بكآبة على محيا الناتج التربوي والتعليمي بكل وضوح، ويزداد الأمر علة، والطين بلة بتعميمه على جميع صفوف المرحلة الأولى دون مراجعة أو مساءلة لهذا النظام». وأد التعليم وبين القرشي أنه «من قتل الرهبة إلى وأد التعليم، حاول القائمون على هذا النظام الذي يتكئ على أساليب التقويم التعزيزية، دفع الطالب للتعلم، وطرد شبح الاختبارات ورهبتها، والحق أن النظام نجح في ذلك، ولكنه وأد التعليم، والمخرجات التربوية التعليمية خير شاهد في زمن أصبح العالم فيه في كف أحدنا، وبلدنا جزء من هذا العالم، فإننا بحاجة لمواكبة أفضل الأنظمة والتكنيكات التعليمية والتربوية، وكما للتطبيق الخاطئ والنظرية المجتزأة لنظام التقويم المستمر ضحايا أبرياء، فإن للطريقة التقليدية كذلك تسربا مهولا وغيره كثير، حيث إننا هنا مع نظام التقويم الحديث ولكن ليس بالطريقة المعمول بها حاليا قط، فنحن معه كنظام كامل متوافر فيه كل شروط النظام، نحن معه إذا هيئت البيئة المدرسية بكامل تجهيزاتها، ووسائلها وأعداد الطلاب داخل الحجر الدراسية، ومعه إذا أعد المعلم والمدير والمشرف إعدادا مهنيا سليما، وإذا بثت حلقات توعوية أو رسائل للآباء والأمهات في بيوتهم تعرفهم ماهية النظام، وأظن أن وزارة التربية والتعليم ستفعل خيرا وفيرا، إذا قامت بخطوة في هذا الجانب، أو سعت إلى تطوير التقويم المستمر بعد دراساتها الطويلة على ما هو قائم الآن». اتجاه للإلغاء ويعترف مدير الإعلام التربوي بمدارس نموذجية بمكة عطاالله نور، بأن الجدل مستمر حول التقويم المستمر «أرى أن الفكرة في أصلها فكرة متميزة، وهو كنظام جيد، ففيه من الإيجابيات الشيء الكثير في حالة استيعاب المعلمين لأهدافه، وإتقانهم لطرقه وآلياته، وإدراكهم لأهمية هذا النظام وهذا النظام حد كثيرا من سلبيات الاختبارات، وقضى على حالة الرعب التي تصيب الطالب أيام الاختبارات، وألغى حالة الاستنفار التي تحصل للأسرة في تلك الأيام العصيبة، إضافة إلى أنه قضى بالكلية على الدروس الخصوصية، ولكن في الجانب المقابل ظهر كثير من السلبيات في هذا النظام، فهو يساوي بين الطالب الممتاز والطالب الضعيف، فالطلاب جميعا في نهاية السنة سواسية ينتقلون من صف إلى صف، دون أدنى تمييز بينهم لا في التقدير ولا في الدرجات، وهذا فيه ضياع لجهد الطلاب المتفوقين، وبالتالي قضى على روح التنافس بين الطلاب، ولا يوجد فيه تقدير أو إظهار للمستوى الحقيقي لكل طالب في كل مادة وفق العلامات أو الدرجات، بخلاف النظام السابق الذي يميز بين الممتاز والجيد وغيرهما، ويعرف دقة إجادة كل طالب للمادة والدرجة التي تحصل عليها». وأشار إلى أن التقويم المستمر قائم على الاجتهاد الفردي للمعلم، وهو من يقيم الطالب بمفرده، وربما قيم طلاب الفصل جميعا دفعة واحدة، أو ربما استعمل الخلفية السابقة لعدد من الطلاب بأنهم جيدون ولا يحتاجون إلى تقييم، مما يجعلنا نعتقد أنه لا توجد الموضوعية أو المصداقية الكافية «ولهذا أرى أن الحكم بإتقان الطالب لهذه المهارات حكم غير دقيق ويحتاج إلى مراجعة شاملة، كما أن التقويم المستمر أدى إلى حدوث الاتكالية والكسل لدى الطالب، لأنه يعرف أنه إن لم يتقن المهارة اليوم فإنه يعطى فرصة ثانية وثالثة ورابعة، ويعتقد أن أمامه متسعا من الوقت، مما أدى إلى تدني مستويات الطلاب والطالبات وبخاصة في المرحلة الابتدائية، إضافة إلى عدم إتقان عدد من المعلمين عملية التقييم وعدم استيعابهم لأهدافها، إذ يظن غالبية المعلمين وأولياء أمور الطلاب أن نظام التقويم وضع لعدم إعادة الطالب للسنة الدراسية، وأعلم أن الوزارة عقدت ورش عمل كثيرة وموسعة للمختصين في هذا المجال لدراسة نظام التقويم المستمر، وهناك قناعة لدى كثير من القياديين التربويين في الوزارة بإلغاء هذا النظام في القريب العاجل». ابتعدوا عن الحكم ويوضح المعلم عبدالله هزازي أن التقويم المستمر يعتبر طريقة تعليمية حديثة، ويمثل جزءا لا يتجزأ من أساسيات التعليم، حيث إنه عملية إصدار حكم لمعرفة نسبة النجاح أو الفشل في الوصول للأهداف المراد تحقيقها، التي يتضمنها المنهج، ويكشف عن نقاط القوة والضعف، حتى يمكن تحقيق الهدف بأحسن صورة، ووضع الخطط العلاجية اعتمادا على معايير التقويم المستمر، ولكن من خلال تطبيقه اتضح الكثير من سلبياته التي ظهرت نتائجها على طلاب المراحل المتقدمة في المرحلتين المتوسطة والثانوية «الطالب يصل إلي المرحلة المتوسطة والثانوية وهو لا يجيد القراءة والكتابة، إضافة إلى عدم معرفة الطالب التعامل مع أسئلة الاختبارات في المرحلة المتوسطة والثانوية، ويكون لها مردود سلبي في اختبارات القدرات والقياس، كذلك عدم الدقة والمصداقية والموضوعية فيه، باختصار لقد حرم التقويم المستمر الطلاب من الاختبارات التحريرية التي تعتبر أكثر ثباتا ومصداقية وموضوعية في قياس مستوى الطالب، ناهيك عن التأثير السلبي للتقويم المستمر على مهارتي الكتابة والإملاء وتدني مستويات الخط لدى الطلاب نظرا لقلة عملية الكتابة وتراجعها، بسبب تدني عدد المذاكرات والتقاويم التحريرية وإلغاء الاختبارات التحريرية». اقتراح التطبيق ويقترح هزازي تطبيق التقويم المستمر في الصف الأول والثاني الابتدائي فقط «لكي تخف هيبة الخوف من المدرسة عند الطلاب في هذه المرحلة، كذلك يطبق التقويم المستمر في الصف الثالث في بعض المواد فقط، ولا يطبق على الكتابة والرياضيات لأنهما يقيسان مستوى الطالب العلمي بالإضافة إلى إلغاء التقويم المستمر من الصف الرابع إلى الصف الثالث الثانوي، ويكتفى بالتقويم المستمر في القرآن الكريم والمطالعة في هذه المراحل». صدفة النجاح ويشير المرشد الطلابي سعود غازي إلى أن التقويم المستمر يعتمد على الصدفة «فحينما ينطق الطالب أو الطالبة الإجابة ولو صدفة فالمعلم ملزم بمنحه ميثاق الإتقان، ومن ثم الاجتياز، وعلى ضوء ذلك يقوم المعلم بإعطاء الطالب رقم 1، وينتقل إلى المرحلة الدراسية التي تليها، وبذلك يخرج لنا جيل أمي، لا يجيد القراءة والكتابة، فالتقويم المستمر ساهم بشكل كبير في ضعف مستوى تحصيل الطلاب لغياب الاختبارات الجدية وعدم إدراك المعلمين لآليات التطبيق، فلا بد من إعادة النظر في التقويم المستمر من قبل وزارة التربية والتعليم، لكي يكون هناك تمييز للفروق الفردية ويعطى كل طالب حقه حسب مجهوده، وإتقانه لجميع المهارات، وإذا كان أكثر من 65% من الطلاب لم يتقنوا جميع المهارات فينبغي إعادة النظر في هذا النظام» .