لم يكن احتفال المملكة بيوم التوحد، الذي انطلق عالميا منذ ثلاثة أعوام «2008»، إلا صرخة احتجاج ضد إهمال حقوق أكثر من 120 ألف طفل توحدي. وفي وقت تشارك فيه المملكة العالم، بإضاءة اللون الأزرق على البنايات، تأكيدا لمشاطرة فئة التوحد، يومها العالمي، يبقى السؤال متى تحل مشاكل هذه الفئة؟ في 22 مارس الماضي، أعلنتها رئيس جمعية أسر التوحد الأميرة سميرة بنت عبد الله الفيصل «نعتذر لذوي التوحد وأسرهم لعدم بلوغ الغاية في تحقيق الهدف بتفعيل المشروع الوطني للتوحد الذي يكفل حقوق ذوي التوحد في أنحاء المملكة». إلا أن رئيسة الجمعية استدركت بالتأكيد خلال افتتاح فعاليات ندوة تبادل الخبرات في مجال التوحد، التي أقيمت في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض «21 مارس الماضي»، على أن «قضية التوحد في أوليات اهتمامات المسؤولين الذين لهم كل الثقة والتقدير، لوضع ذوي الاحتياجات الخاصة على الطريق الصحيح». لكن على الصعيد العام، لا يزال هناك غياب لقاعدة بيانات شاملة ومتكاملة تتضمن الخدمات المقدمة من المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والأفراد لذوي التوحد، ومنها الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية. وكان تقرير «حقوق» الصادر عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، في عددها ال 15 في فبراير 2007 - محرم 1427ه، حدد أكثر من 120 ألف توحدي في المملكة، وإن كانت هناك إحصاءات تتمسك برقم 90 ألفا «يعانون من قلة المتخصصين في هذا المجال، ومن عدم توافر المراكز والعيادات المؤهلة، كما أن أهالي هؤلاء الأطفال يعيشون معاناة يومية من تصرفات أبنائهم وسلوكياتهم، فضلا عما يتكبدونه من خسائر لعلاجهم وتأهيلهم». وحمل التقرير على وزارة التعليم العالي «حيث لا يوجد في الجامعات مسار للتوحد نهائيا، رغم أن هذا التخصص بحاجة إلى كوادر مؤهلة، مثل اختصاصي نطق وكلام، واختصاصي نفساني، واختصاصي تعديل سلوك، بأعداد كافية، واختصاصي في مجال التربية الخاصة». كما لا يوجد التخصص في جميع الكليات والمعاهد «حيث اقتصرت وزارة التربية والتعليم على توفير مسار واحد فقط في كلية المعلمين بجدة، وتخرج في هذا المسار دفعة واحدة فقط، وهي بالطبع ليست كافية لعشرات الآلاف من المتوحدين». أما تقصير وزارة الصحة فيتضح في «غياب العيادات المتخصصة لتشخيص واكتشاف التوحد، إلا في ثلاثة أو أربعة مستشفيات فقط، ما يتنافى مع تعميم وزاري سابق لجميع المستشفيات لإيجاد عيادة لتشخيص التوحد، تجهز بمقاييس واختبارات نفسية، وضرورة تدريب وتأهيل الكوادر البشرية للقيام بذلك». وأشارت المصادر إلى أن السبب الرئيسي في عدم التعاقد مع متخصصين من دول عربية لأطفال التوحد هو الرواتب العالية التي لم تستطع وزارة المالية اعتمادها؛ حيث إنه عندما تطلب المستشفيات السعودية اختصاصيين من تلك الدول براتب ثمانية آلاف ريال مثلا، وتعتمد الميزانية من المالية على ذلك؛ نجدهم يذهبون إلى دول الجوار التي تدفع أكثر مما تدفع لهم وزارة الصحة بما يعادل الضعف. وركز التقرير على ما تعانيه مراكز التوحد من إمكانيات محدودة «لا تلبي احتياج هذا العدد الكبير من أطفال التوحد، كما أن تكلفة رسوم هذه المراكز الباهظة تحول دون التحاق أطفال العديد من ذوي الدخول المحدودة، حيث تبلغ كلفة الطفل الواحد سنويا نحو 30 إلى 35 ألف ريال، فيما تعمل الجمعية على التكفل بمن لا يستطيع السداد، وذلك من خلال التبرعات التي تتلقاها، ولا تكفي للأعداد الكبيرة من أطفال التوحد». وحسب التقرير بين رئيس لجنة أهالي أطفال التوحد، المشرف التربوي بمركز الدرعية، سعد بن عبدالخالق القرني، أن «معاناة الأسر تبدأ منذ اللحظة الأولى التي تعرف فيها أن لديها طفلا توحديا، حيث سوء وضعف التشخيص من مستشفى إلى آخر، ومن عيادة إلى أخرى، ثم بعد التشخيص تبدأ المعاناة الحقيقية المثقلة على كاهل الأسر، وهي الأعباء المادية التي يتكبدونها، حيث يستهلك الطفل التوحدي من 50 - 70 ألف ريال، ما بين تعليم وتدريب وعلاج ونظافة». وانتقد القرني غياب العلاج «وأين التعليم؟ فوزارة التربية ليس لديها برامج معتبرة للتدخل المبكر، ولا تقبل فيما خصصته لهذه الفئة من تعليم إلا من بلغ سن السادسة، وبشروط يصعب تحققها في طفل التوحد، وهذه البرامج لا تتوافر في كل مكان»، مبينا أن هناك ما اعتبره جشعا من المراكز المتخصصة، فالرسوم تتراوح بين 20-40 ألف ريال، والخدمة ليست بالمستوى المأمول والمطلوب، فالكوادر غير متخصصة، والأماكن غير ملائمة، وإشراف جهة الترخيص معدومة، ولأن وزارة الشؤون الاجتماعية معنية بهذه الفئة في الدرجة الأولى، تتجه أنظار الأسر إليها، فلا تجد إلا إعانة أقل ما توصف به أنها فتات، حسب وصف التقرير، فما تغني ثلاثة آلاف ريال سنويا؟». ويمكن تحديد مطالب أسر التوحد في رواتب شهرية لأبنائهم التوحديين، بطاقة خاصة للمستشفيات والصيدليات، وفتح مراكز متخصصة لتعليم وتأهيل أبنائهم وتعديل سلوكهم، وفتح مراكز مهنية ومسائية لكبار السن من التوحديين لتأهيلهم وتعليمهم بعض المهن، وتدريب المعلمات، وإحضار كوادر متخصصة من الخارج لتدريبهن على التعامل مع فئة التوحد. وحسب رأي أحد أولياء الأمور «وجدنا أن كل وزارة ترمي العبء على الأخرى، وذلك في أربع وزارات: وزارة المالية، والخدمة الاجتماعية، والصحة، ووزارة التربية والتعليم. لذلك نطالب بتشكيل لجنة من هذه الوزارات لتحديد مسؤولية كل وزارة وإلزامها بما يترتب عليها من حقوق لأطفالنا» .