لم يعد الأمر المطروح حول ولاية الفقيه يثير فضول أحد، فتجربة ولاية الفقيه أثبتت فشلها، إذ إن إيديولوجيتها المكرسة لم تلبث أن أثبتت فشلها الذريع، ولكم في الثورة الإيرانية أسوة حسنة لمن أراد أن ينجو من دعوة كهذه، فما نشاهده الآن في طهران يدعو للأسف، إذ باسم العقيدة تحولت إيران إلى بلد يتآكل من الداخل في سبيل تحقيق فتوحات جهادية في الخارج لا تسمن شعبه ولا تغنيه من جوع وقمع وسوء جوار مع كثيرين ممن حوله. الأمر الذي يثير الآن الفضول بحق هو «ولاية المثقف»، ففي الشهر الأخير انتهت، أو توشك، إحدى أهم النماذج لوصول المنظر السياسي والمثقف الجماهيري معمر القذافي إلى السلطة، صحيح أن بداية ثورته كانت تشبه كثيرا ثورة عسكر مصر في بداية خمسينيات القرن الماضي. لكنه لم يلبث أن تحول إلى منظر سياسي في أواسط السبعينيات عندما فشلت أحلامه الوحدوية شرقا باتجاه مصر وغربا باتجاه تونس. وضع السياسي المثقف نظريته الخضراء حول الجماهيرية، وكرس لكتابه كل مستقبل ليبيا وثرواتها، وجعل النظرية فوق واقع الدولة التي كانت بحاجة إلى التنمية أكثر من حاجتها لكسر كل إصبع يشير بالسلب إلى نظرية حكم الجماهير، وكانت ليبيا بحاجة لتطوير وبناء الدولة ومؤسساتها أكثر من حاجتها لتطويع الشعب الليبي ليتوافق مع النظرية البائسة، فكان أن بقيت ليبيا كما تسلمها القذافي إن لم تتراجع إلى الوراء، فتجهيل الشعب الليبي لم يكن مصادفة غير مقصودة لأن العقيد انصرف إلى كتابه وترك شعبه وراء ظهره، بل هي جزء من تنظيرات المثقف المهووس بنظريته لأن التعليم في ليبيا ينتهي عند إدراك المواطن لمحتويات الكتاب الأخضر، وصحة المواطن يمكن قياسها بمدى قدرتها على حمل ذلك الكتاب وقراءته لا أكثر! لكن يبدو أن شعب ليبيا قد قال كلمته أخيرا، فثورته تثبت رفضه كل محاولات العقيد المثقف التي بذلها في سبيل حشرهم داخل دفتي كتابه الأخضر، فأعلنوا أن «ولاية المثقف» لا يمكن لها أن تنجح، لأن نظرية القائد عقيدة تشبه ولاية الفقيه، فهي تكرس البلاد والعباد في زاوية واحدة ومحدودة تنطلق من أيديولوجيا قاصرة وتعود إليها، وهو ما لا يتوافق وطبيعة الإنسان التي من أهم مكوناتها رغبته في عمارة الأرض، وليس إثبات صحة أيديولوجيا بعينها والاحتراق في سبيل إثبات صحتها.