«لا شيء يعجبني».. قبل أن تذكرنا هذه الكلمات الثلاث بقصيدة شاعر فلسطين الراحل «محمود درويش» تصف لنا حالة عامة يعيشها الكثير منا، وهي ذات الحالة المرادة في المثل الشائع «ما يعجبه العجب ولا الصيام في رجب». ولعل حالة ال «لا شيء يعجبني» تلك تكون غير ذات أهمية إذا ما اقتصر نطاق تأثيرها على الشخص المتلبس بها، ولم يتجاوزه إلى ضعاف خلق الله الذين يجنون آثار تلك الحالة. وإذا ما تأملنا حالة ال «لا شيء يعجبني» سنجد أنها عينة لنتاج حالة إنسانية مستشرية، تتمثل في ازدراء الإنسان للوضع الذي يعيشه، وإطالته النظر فيما ليس عنده، ما يؤدي به إلى أن «يحسد الأعمى على كبر عينه» فيتمنى الفقير مال الغني، ويتمنى الغني صحة الفقير، ويحسد العاطل العامل على الراتب، ويحسده الثاني على الفراغ.. وهكذا، فيشتهي كل ما عند الآخر، ويزدري نعمة الله عليه. ومن علامات تلك الحالة ودلالاتها، استكثار نعم الله على خلقه، ما يرى في الأعين التي تنطق قبل الأفواه ب «من أين لك هذا؟» وتدارس استحقاقهم لها من عدمه، وكأنما تكفل بعض العباد بالنظر في أحوال بعضهم وتدقيق مصادر الأرزاق ومصارفها. حين نؤمن ب «لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع» نملك قناعة ورضا تاما بأقدار الله، ونعلم أن ما نحن عليه من حال هو خير ما يكون لنا، ونسعى لأن تتسع قلوبنا لرضا يماثل رضا ذلك الوزير الذي كان يطمئن الوالي بعبارة «لعله خير» كلما أصابه مكروه، حتى جاء اليوم الذي قطع فيه أصبع الوالي خطأ، فكان رد الوزير هو ذات رده المعتاد «لعله خير».. فاستشاط الوالي غضبا وأمر بزجه في السجن. وحدث أن اضطر الوالي إلى المرور بقرية يقدمون فيها المار عليهم قربانا لما يتخذون من آلهة، فخجلوا أن يقدموا الوالي لأن جسده كان معيبا، ففهم الوالي مغزى وزيره، وكان الخير في نجاة رقبته، ونجاة الوزير إذ كان السجن خيرا من الذبح!