«ليسوا سواء» هكذا أرادها القطاع الخاص، في وقت لم يخص منسوبيه بأي زيادات، للتأكيد على مدى الولاء والانتماء، ومواكبة الزيادات التي طالت موظفي الدولة، وفق القرارات الملكية الصادرة مؤخرا. ليسوا سواء، جملة طبقها القطاع الخاص، في وقت بات يشكو مما اعتبره هروب منسوبيه، مع أولى قطرات حبر لعقد توظيف في أي من الجهات الحكومية، تاركين «الجمل بما حمل». ليسوا سواء، وصف بها منسوبو القطاع الخاص حالهم مع أصحاب الشركات، في وقت تشهد فيه البلاد ملاحم من العطاء والسخاء، ليخرج الجميع فرحين بما آتاهم الله من فضله، وما وهب بلادهم من خير وفير، وفي مقدمته قيادة حريصة على توفير سبل الحياة الكريمة لأبناء الوطن. بالأمس وقف خريجو الجامعات، والتعليم العام مترددين بين سرعة الانتماء للقطاع الخاص، ووضع نهاية لما يسمى بالبطالة، والانتظار لأشهر أو لعلها «أعوام معدودات»، من أجل عيون الوظيفة الحكومية، التي «يؤمن فيها الموظف مستقبله وأسرته، بدلا من البقاء في كنف إمرة صاحب شركة يمكن أن يحيل الترقي في وظائفهم إلى مزاجية، تحول بين تكوين المهارات والإمكانيات. صحيح أن وزارة العمل استطاعت حسم التلاعب بالموظفين من خلال التأمين الوظيفي، لكن وقوف الموظف في خانة واحدة، أمر ربما لا يمكن تعديله بقرارات وزارية. فلماذا يتهرب القطاع الخاص من مسؤولياته، أو على الأقل مشاركة البلاد مسيرة الفرح التي تعيشها في هذه الأيام؟ وهل موظف القطاع الخاص على حق يجعله مؤهلا لراتب الشهرين الذي حظي به منسوبو الحكومة، أم أن الشركات منحته من المغريات ما يجب أن يبعدها عن تهمة عدم المشاركة في مثل هذا التوقيت؟ أو ليست رواتب القطاع الخاص أضخم من نظيره الحكومي، ويتمتع الموظف بميزات يحرم منها موظف الحكومة، وفي مقدمتها التأمين الصحي، بالإضافة إلى الرواتب المغرية، ولكن أمام ذلك أليست وزارة العمل تسعى إلى استيعاب عشرات الألوف من الشباب في القطاع الخاص، فكيف يمكن الانخراط في قطاع لا يجاري ما يجري في المجتمع؟ «شمس» بدأت تبحث عن إجابة واضحة من منسوبي هذا القطاع والمعنيين فيه. أين الأثرياء؟ في البداية باتت التساؤلات تجتاح الشبكة العنكبوتية، وعلى الأخص شبكة التواصل الاجتماعي الفيس بوك، بحثا عن حل مع القطاع الخاص، يوفر لهم المساواة مع منسوبي القطاع الحكومي. وعلى غرار أين الأثرياء؟ تساءل مفيد النويصر في صفحة باسم «إلا الوطن»، وهي فكرة تبناها مسبقا لتعرية الداعين إلى الفتنة في أرض الحرمين الشريفين: «أين الشركات الخاصة الكبيرة التي كانت تحصل على مليارات الريالات من الدولة في مشاريع جزء منها فاشل؟ أين العائلات التجارية التي اغتنت من فضل البلد ومن خيرات الدولة؟ أين التجار ورجال الأعمال؟ ألم تنتفخ جيوبهم من خيرات الوطن؟ لماذا هم صامتون وكأن الزيادات التي تمر من حولهم لا تعنيهم؟ إنما هي واجب فقط على الدولة لموظفي القطاع الحكومي فقط، هل يعتقدون أننا لا نعلم أن راتبين واجب وطني عليهم، وربما يعكس ذلك مدى ولائهم ودعمهم لشباب الوطن؟». وواصل: «أتعلمون يا شباب، أن كل عام توفر الشركات الخاصة، ما يعادل عشرة أيام من رواتبكم؟ لأن صرف الرواتب بالتاريخ الميلادي يمنحهم هذا التوفير، أي أنهم يوفرون من رواتبنا شهرين كل ستة أعوام تقريبا، فلماذا يبخلون علينا مرة واحدة كل عشرة أعوام؟». ويعتقد أنه يجب أن يكون للسعوديين العاملين في الشركات نصيب من الأرباح، وألا تبقى حكرا على التجار «لذا نطالب بزيادات 15 %، وراتب شهرين، أسوة بالقطاع الحكومي، وعلينا أن نرفع الطلبات بشكل راق كل في شركته، تحت شعار كلنا يجب أن نستفيد من خيرات الوطن». وبصيغة اليائس على ذات الصفحة يرى حسين الهوساوي أن «الكثير من الشركات تغض الطرف، ولا يعرفون سوى مصلحة أنفسهم». إلا أن مجيد الدوسري يشير إلى أن «كل حاجة ولها حل ما في شيء مستحيل». ويقترح أبو وسيم أحمد مرزا أن «يصدر قرار بمنح كل موظفي القطاع الخاص السعوديين نفس الشيء، عن طريق مكتب العمل أو صندوق تنمية الموارد البشرية لأنهم مسجلون أسماء كل موظفي القطاع الخاص». أين المساواة؟ ودعما لتحفيز القطاع الخاص في مواكبة الحدث، تأسست حملة باسم «أين المساواة»، ركزت على محور نص على «نحن السعوديين أبناء القطاع الخاص نعمل ليل نهار بساعات تصل إلى 12 ساعة وعلى فترات متفرقة، عوضا عن الأجور التي نتقاضاها والتي تبدأ من 2000 ريال إلى 4000 ريال ومن هم على هذه الطريقة يشكلون السواد الأعظم في القطاع الخاص. نشعر بعدم الاستقرار الوظيفي خاصة بعد تبني زيادات ومكافآت منسوبي القطاع الحكومي، نريد أن تكتمل فرحة الشعب السعودي بأن تصل الابتسامة إلى كل أسرة سعودية». وأشارت الحملة إلى أن هدفها «الضغط على الشركات لتوفير آلية تضمن صرف الزيادات، مقابل مزايا من الحكومة سواء بشأن نسب السعودة أو التأشيرات أو المناقصات الحكومية والمشاريع الإنشائية، وتبني وزارة العمل إيجاد تشريعات جديدة لضمان مواكبة صرف الزيادات والمكافآت لمنسوبي القطاع الخاص، وإنشاء برنامج مؤقت في الخدمة المدنية يتم التقديم عليه عن طريق الإنترنت بورقة تعريف الراتب من كل موظف في القطاع الخاص مع إرفاق السجل المدني ورقم الحساب البنكي». وأشارت الحملة إلى السعادة البالغة بصدور القرارات الملكية؛ ما يدفع بعجلة التنمية للأمام، وتزيد من رفاهية المواطنين «إلا أن منسوبي القطاع الخاص، الذي يضم عشرات الألوف من الموظفين السعوديين، للأسف لم ينالوا الزيادات أو راتب الشهرين، فهل الاتجاه للقطاع الخاص بات ضريبة يتحملها الجميع، ممن فقدوا فرصة وظيفة حكومية». وعبرت موظفة القطاع الخاص لبيبة العنزي عن حاجاتها إلى راتب شهرين، حيث أنها تعول إخوانها بعد وفاة والديها قبل عام، وبحثت عن عمل حتى وجدته بعد مشقة في إحدى شركات الطيران براتب لا يتجاوز 2500 ريال على فترتين: «فرحت كغيري من المواطنين بالقرارات الملكية، اعتقادا بأنني سأستفيد منها من قريب أو بعيد، إلا أن عدم تبني القطاع الخاص لصرف مكافأة مماثلة أصابني بحزن». لوحة الشرف وفيما بدأت بعض الشركات الدخول فيما يعرف ب «لوحة الشرف»، بتبني راتب شهرين لمنسوبيها، تأكيدا على أنهم ليسوا أقل من منسوبي القطاع الحكومي، ولتعم الفرحة كل الموظفين، امتنع عدد من التنفيذيين في شركات أخرى عن مجرد التلميح بصرف أي راتب لموظفيهم. إلا أنهم وصفوا امتناعهم عن الحديث بأن الأمر بحاجة إلى عقد اجتماع مع الإدارات المعنية في الشركات «فمثل هذه القرارات لا يمكن أن تولد بين يوم وليلة، أو بطريقة مفاجئة، بل يحتاج الأمر إلى مراجعة الأوضاع المالية، وربما يشهد اليوم «الأحد» اجتماعات في هذا الجانب لاتخاذ قرارات تصب في صالح الموظفين». وأبرز عضو مجلس إدارة بنك البلاد إبراهيم السبيعي، التأكيد على أن «القطاع الخاص جزء من البلاد، وهو مطالب بالتفاعل مع قرارات الدولة، خاصة في دعم الموظفين وتحسين أوضاعهم، لذا نحن بصدد عقد اجتماع خاص للموظفين وسيصدر قرارات في هذا الجانب». وأعلن عضو مجلس إدارة غرفة جدة زياد البسام، أن النية تتجه لإصدار قرار بشأن صرف راتبين للموظفين، تفاعلا مع الأوامر الملكية لمنسوبي القطاع الحكومي «سيتم عقد اجتماع وإصدار القرارات، وتناغم القطاع الخاص مع التوجه العام للدولة مطلب مهم، خاصة أن هذا الأمر يدعم أداء الموظفين، وأعتقد أن الكثير من الشركات ستتجاوب مع هذا التوجه، وستمنح موظفيها رواتب إضافية قياسا بما حدث في القطاع الحكومي، ونحن في غرفة جدة أصدرنا قرارا في هذا الصدد، وكل أملنا أن تبادر كل الشركات في القطاع الخاص بانتهاج ذلك لأنه يجب النظر في وضع الموظفين في القطاع الخاص على أنهم يستحقون الدعم والمساندة على ما بذلوه من دور فاعل في دعم الاقتصاد». دافع للعمل وشدد الخبير الاقتصادي الدكتور علي دقاق على أن دفع رواتب شهرين يساهم في دعم الموظفين ويساعدهم في الاستفادة من المبلغ في شراء بعض الحاجات التي لا يمكن للموظف القيام بها دفعة واحدة، كما تساهم هذه الأموال في زيادة القوة الشرائية للأفراد «أي تجاوب من الشركات يأتي في إطار المسؤولية الاجتماعية تجاه الوطن، ونحن في المملكة نشاهد أن هناك الكثير من الشركات التي تساهم في جانب المسؤولية الاجتماعية». صرف راتبين من جانب آخر أعلن مجلس الغرف السعودية، أمس، قرارا بصرف راتب شهرين لجميع منسوبيه، وحث المجلس كل الغرف التجارية والصناعية في المملكة بالتفاعل مع الأوامر الملكية التي تهدف إلى تقدير دور المواطن في تنمية الوطن وتطوير مرافقه التنموية. كما أعلنت عدد من الشركات السعودية المدرجة بالسوق المالية وعدد من الشركات المساهمة الأخرى وبعض المؤسسات الإعلامية والشركات والعيادات الطبية الخاصة عن صرف رواتب إضافية لمنسوبيها تفاعلا مع القرار الملكي، مؤكدة عزمها على المضي قدما في التوسع في سعودة الوظائف في مختلف وظائف شركاتها، وتبنت الأخرى تحديد سقف ثلاثة آلاف ريال حدا أدنى لأجور العاملين من المواطنين