كأي وسيلة تقنية أخرى يتم تسخيرها في مجال الأعمال، تنطوي خدمة «البلاك بيري» على احتمال استخدامها في الخير أو توجيهها إلى الشر كما يحدث هذه الأيام إذ أضحت منبرا واسعا لترويج الشائعات وتداولها. ورغم شح الأرقام التي تحدد عدد الشائعات التي تذيعها هذه الخدمة، إلا أن انتشارها الواسع يؤكد أنها ظاهرة تتفاقم يوما بعد يوم، دون أن ينتبه المستخدمون إلى خطورة تناقل الأكاذيب وتأثيرها السلبي على المجتمع. الشائعات مبهجة أحيانا! يشتكي الشاب خالد الصافي، وهو طالب في الثانوية، من الأنباء الزائفة التي يكتظ بها جهازه البلاك بيري إلى درجة يستحيل السيطرة على تدفقها «لا يكاد يمر يوم دون أن تصلني شائعة من شركائي في الخدمة، وسرعان ما أسمعها تنتشر هنا وهناك، والمشكلة أن بعض هذه الشائعات يتناول قضايا كبيرة، والمشكلة الأكبر أن هناك من يصدقها». ومنذ أن يستفيق صباحا على صوت رسالة جديدة، تبدأ رحلة الموظف الحكومي عبدالرزاق الخليف مع الشائعات التي تحاصره من كل حدب وصوب «وهي متنوعة ما بين بشائر تتعلق بزيادات الرواتب، أو تخفيض رسوم لخدمات معينة، أو غيرها من الأخبار المفرحة». لكن هذه الأخبار المختلقة لها نكهة خاصة لدى الخليف الذي يحب تصديق الشائعة لأن «لها نكهة خاصة، فهي تجعلني في حالة فرح آنية، فمثلا عندما نسمع عن إسقاط مخالفات نظام ساهر أو إيقاف العمل به، نعيش حالة من الفرح لا تدوم طويلا، لكنها مبهجة، مع أن الخبر لم يكن سوى شائعة وهكذا بقية الشائعات». والأحاديث الموضوعة.. أيضا! يرى المعلم فؤاد الزهراني أن خطورة هذه الشائعات تستفحل حين يمتد الأمر إلى تناول أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه أو سلم، أو ترويج أعمال بدعية ليست من الدين «فقصة أحمد، حامل مفاتيح الكعبة، انتشرت عبر البلاك بيري بعد أن كانت في الجوال والبريد الإلكتروني، والناس يتبادلونها عن جهل». ويقترح المعلم فؤاد الزهراني أن يبذل التربويون والمعلمون والدعاة جهدا مضاعفا في توعية الطلاب والطالبات بخطورة هذه المسألة «فالأمر لم يعد مقتصرا على أنباء مختلقة». الإسلام يقترح الحل وضع الإسلام منهجا صارما لمحاربة الشائعات والقضاء عليها في مهدها، كما يشرح الشيخ عبدالعزيز السدحان «فالآية الكريمة التي تأمر المؤمنين أن يتبينوا الخبر الصحيح قبل أن يصيبوا الناس بجهالة، هي الحل السريع والوافي لكبح انتشار الشائعة قبل أن تتداولها ألسنة الناس، فهذه الآية نداء رباني بضرورة التثبت من أي قصة ترد من أي شخص قبل ترويجها». وتحفل السنة النبوية الشريفة بالتوجيهات الحكيمة التي من شأنها أن تهذب خلق المسلم وتردعه عن نقل الأحاديث دون تمحيص، كما يشير السدحان «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحدث المرء بكل ما سمع، ومن النصوص أيضا قوله صلى الله عليه وسلم «بئس مطية الرجل زعموا»، فالمسلم مأمور بالتثبت والتوثق من كلامه قبل أن ينطق به. وللصحابة مواقف مشهودة في هذا الجانب توضحها كتب السيرة كما يقول السدحان «فكانت أخلاقهم تحبسهم عن القول دون بينة، وكذلك كان علماء السلف الذين عقدوا لهذا الأمر أبوابا في كتبهم» .