إن لانقطاع البث في بعض القنوات الإخبارية بسبب التشويش المتعمد، وأوضاع الوطن العربي غير المستقرة، خيل إلي بسبب ما رأيت من حرص وتلهف كبير على البحث عن التردد الجديد لهذه القنوات، أن هذا الوضع الراهن والقلق في المنطقة العربية أوجد لدى المواطنين السعوديين عودة للاهتمام بالسياسة والنظر في أحوال القوى الإقليمية والعالم العربي. بلا شك فإن لهذه الصحوة لدى المواطنين السعوديين، بعد أن كانت منحصرة على فئة كبار السن أو المتخصصين أو المثقفين والكتاب، أثرا كبيرا على زيادة الوعي السياسي لدى المجتمع، بدخول الشريحة الأعرض منه، فئة الشباب والطلاب، إلى نادي السياسة. وكان من أهم روافد هذه الثقافة السياسية بالطبع الفضائيات الإخبارية التي تبث كما من البرامج وعددا هائلا ومتصلا من الأخبار والتحليلات السياسية والتنظير لمستقبل الدول وقراءة الأحداث على الأرض، ما جعل عددا كبيرا من أفراد الشباب يستوعب، وللمرة الأولى، مفردات سياسية كانت معجمة وغامضة. وكما أن للرجال نصيبا مما اكتسبوا، فللنساء نصيب مما اكتسبن، إذ ازداد توغل النساء والفتيات بهذا الشأن بصورة غير مسبوقة في مجتمعنا، وجعلن يبدين الآراء والتحليلات ويطرحن وجهات نظر بخصوص شخصيات سياسية بارزة، أو آمال وشيكة عن الوضع في تونس أو مصر أو ليبيا. في الحقيقة.. العاصفة التي تجتاح الوطن العربي في الوقت الراهن أثرت على المواطنين في الداخل، وجعلت البعض في حيرة وقلق وخوف وترقب ودعاء بأن يحفظ الله الأمة العربية والإسلامية شر الفتن، وجعلت البعض الآخر في حالة من النشوة العارمة والسعادة الغامرة والحماسة الملتهبة حتى تكاد تطيش بعقله من الفرح والغبطة، ويعتقد أن هذه الأزمات ظاهرة صحية، ولا تعدو كونها عملية «تصحيحية» سرعان ما تنجلي غمامتها، ويعود إلى الوطن العربي أمنه واستقراره. الخلاصة أننا استفدنا على الأقل من هذه العاصفة دورة تثقيفية سياسية مجانية قام عليها عدد من الإعلاميين الأكفاء، والمحللين الكبار، خاطبت لاوعينا مباشرة، دون أن تجهد عقولنا ووعينا سعيا وراءها.