تبدو أوروبا عازمة على المضي في حرق غابات العالم لإنتاج ما يسمى بالطاقة الحيوية النظيفة فيما تتباهى بإنفاق الملايين على حماية الأشجار. ففي الواقع، يكمن سر ثورة أوروبا «الخضراء» في مجال توليد الطاقة، في حقيقة أنها تخصص 68.5 % من استثماراتها على المصادر المتجددة، لأنشطة لحرق الأخشاب الواردة من غابات العالم. وللدلالة على ذلك نجد أن محطات توليد الطاقة في بريطانيا وحدها ستحتاج إلى ما لا يقل عن 27 مليون طن من الكتلة الحيوية الخشبية، سنويا. ويتم تغذية عشرات من محطات توليد الطاقة المخطط لها في بريطانيا من حرق أكثر من مليون هكتار من الغابات سنويا، وأن دولة كهولندا تحرق نفس هذه الكمية -مليون هكتار سنويا- حاليا بالفعل. وفي حالة ألمانيا، ترتفع كمية أخشاب الغابات التي تحرقها لتوليد الطاقة لتصل إلي16.5 مليون طن من الأخشاب المستوردة في معظمها، علما بأن الحكومة الألمانية تخطط لمضاعفة هذا الرقم بحلول عام 2020 وفقا لتقرير «الطاقة الحيوية المبنية علي الأخشاب: الكذبة الخضراء». وعلقت آن بيترمان، المديرة التنفيذية لمشروع العدالة البيئية العالمية، وهي المنظمة غير الحكومية البيئية الدولية العاملة من أمريكا، أن هناك مشكلة كبيرة موجودة بالفعل، إلا أن الغابات تزول حتى دون حرق أشجارها لإنتاج الطاقة الحيوية. ويمثل زوال الغابات منذ فترة طويلة ظاهرة خطيرة مستعصية الحل، تتبلور في القضاء على مساحة تتراوح ما بين 13 مليون هكتار و 16 مليون هكتار، سنويا، ما تتسبب في 20 % من انبعاثات الاحتباس الحراري التي تخل باستقرار المناخ، ضمن أضرار أخرى. وأضافت بيترمان أن زوال الغابات يأتي بآثار وخيمة سواء على الغابات ذاتها أو على سكانها، في جميع أنحاء العالم. هذا ويرتكز محور استراتيجية أوروبا لمكافحة التغيير المناخي على إنتاج 20 % من حاجاتها من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2020. لكن هذا الهدف سرعان ما أصبح «فكرة جيدة، ولكن خاطئة التنفيذ» وفقا لبيترمان التي زارت بروكسل لتشرح لنواب البرلمان الأوروبي أن هذه السياسات الأوروبية تقتل الغابات وتضر بشعوب الأرض الأصلية والأهالي المحليين. لكن تبين أن كثيرين من أعضاء البرلمان الأوروبي غير مهتمين بمعرفة هذا الواقع أو أن انبعاثات جسيمات الحطب تعتبر أسوأ من الفحم وتعرض الصحة العامة للخطر. من جهة أخرى حذر العلماء في أمريكا من المخاطر الصحية الناتجة عن حرق الكتلة الحيوية؛ نظرا إلى أنه يبعث جسيمات دقيقة أكثر من الفحم. وشرحت بيترمان أن هذه الجسيمات غير مرئية ويمكن أن تتلف الرئتين وتزيد من أضرار مرض الربو. وأفادت بيترمان أيضا أن المشرعين الأوروبيين لا يريدون حقا معرفة الحقيقة عن «الكذبة الكبيرة» القائلة: إن عملية حرق الأخشاب لتوليد الطاقة إنما تخلو من الكربون. وبطبيعة الحال، لا تنمو الأشجار بنفس سرعة حرقها، وإنما تحتاج إلى 20 عاما، وربما 15 عاما بالنسبة إلى بعض أنواع الأشجار سريعة النمو والمعدلة جينيا، وذلك قبل أن تبدأ في امتصاص الكربون، وذلك بافتراض أنه سيتم توفير المياه اللازمة لري الأشجار وأنها لن تصاب بأمراض أو آفات ولن تقطع أو تحرق. ثم أضف إلى كل ما سبق كل الطاقة المستهلكة في قطع الأشجار وتحضيرها وشحنها لآلاف من الكيلومترات من إفريقيا وأمريكا الجنوبية وكندا